محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة النور

صفحة 119 - الجزء 3

  جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} فمثل أعمال البر التي يعملها الكفار في الدنيا في عدم الانتفاع بها كمثل السراب في الأرض المنبسطة وحالهم كحال العاطش الذي يتراءى له الماء على مسافة منه فإذا وصل إليه انكشف له عدم ذلك وأنه ليس إلا خيالاً كاذباً، فهم يعملون أعمال البر وهم يظنون أنها مقبولة، وأنهم سينالون جزاءها، غير أنه سيكون خلاف ما يتوقعون فعندما يحين موعد الحساب والجزاء سيكتشفون أنهم لم يحصلوا على شيء من ثواب تلك الأعمال لأنهم أحبطوها بأعمال الكفر التي يعملونها.

  وأعمال البر التي كان يعملها المشركون فهي أنهم كانوا يتسابقون ويتنافسون في أعمال الخير من إكرام الضيف، وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وحماية الجار، وغير ذلك من الصفات الحميدة التي كانوا يتصفون بها؛ فأخبرهم الله سبحانه وتعالى أن حال أعمالهم هذه كحال ذلك السراب.

  هذا، وأما إذا أسلم الكافر بعد ذلك فإن ما قدمه من أعمال البر حال كفره سوف ينفعه، وسوف ينال ثوابه، وذلك لما روي أن حكيم بن حزام سأل النبي ÷ عن أعمال بر كان يعملها في جاهليته وكان يتحنث بها في خلال شركه، فأجابه النبي ÷: «بأنك أسلمت على ما أسلفت من خير»⁣(⁣١)، أو بما في معناه، أراد النبي ÷ أن من أسلم فله ما أسلف من أعمال البر وأنه يكتب له ثوابها، ويؤخذ من هذا أن من تاب رجعت له الأعمال⁣(⁣٢) التي أحبطتها المعاصي.


(١) هذا الحديث مذكور في الروض النضير، وفي فتح القدير، وهو في كثير من كتب الحديث منها: المعجم الكبير للطبراني، مسند أحمد، صحيح مسلم.

(٢) سؤال: من فضلكم لو تكرمتم بإفادتنا بشيء من الأدلة على هذه المسألة؟

الجواب: هذه المسألة هي مسألة: هل تعود حسنات التائب أم لا، التي في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ٧٠}⁣[الفرقان]، وقد اختلفوا في معنى قوله: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}، والذي أستقربه من أقوال المختلفين في هذا هو قول من قال إنها تعود حسنات التائب المحبَطَة بالكبائر إذا تاب، ليس لرواية حكيم بن حزام، =