سورة النور
  {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ(١) فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ٣٩} وسوف يحاسبهم الله تعالى على أعمال الكفر والمعاصي، وسيجازيهم عليها جزاءً كاملاً.
  {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ}(٢) ثم شبه الله تعالى أعمال المشركين تشبيهاً آخر، فشبه أعمال الخير والبر التي كانوا يعملونها في جاهليتهم وشركهم بحال(٣) من هو في ليلة مظلمة في عمق بحر، وفوقه موج، وفوق ذلك الموج موجٌ آخر، من فوق ذلك الموج سحابٌ قد غطى الدنيا بظلمته.
= بل لما يأتي:
١ - عموم مثل قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧}[الزلزلة]، وقوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا}[آل عمران: ٣٠].
٢ - معنى الإحباط هو أن العمل الصالح لا يقبل من الكافر ومرتكب الكبيرة؛ لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ ...} الآية [التوبة: ٥٤]، فإذا تاب الكافر ومرتكب الكبيرة زال المانع من القبول.
٣ - التوبة تَجُبّ ما قبلها والإسلام يَجُبّ ما قبله، أي: أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتائب من الكفر كمن لم يكفر في حكم الله، وحينئذ تبقى الحسنة حسنة وتكون مقبولة.
(١) سؤال: لم يظهر لنا تحليل هذا المجاز أو الاستعارة: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} فكيف هو؟ وإلام يرجع الضمير في قوله: «عنده»؟
الجواب: ذلك من مجاز الحذف أي: وجد وعيد الله عنده أو عقاب الله. «عنده» أي: عند ذلك الذي حسبه نافعاً فلم يجده شيئاً.
(٢) سؤال: ما محل الجملتين: {مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} {مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ}؟
الجواب: «من فوقه موج» في محل رفع صفة لموج في قوله: {يَغْشَاهُ مَوْجٌ}. و «من فوقه سحاب» في محل رفع أيضاً صفة لموج في قوله: {مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ}.
(٣) سؤال: هل المشبه به الظلمات نفسها، أو من هو فيها؟
الجواب: المشبه به الظلمات ومن هو فيها، والمشبه الكافر وأعماله القبيحة؛ لأن التقدير: أو كذي ظلمات، بدليل: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}.