محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة النور

صفحة 122 - الجزء 3

  المخاطب أن كل⁣(⁣١) شيء مما خلقه الله تعالى يسبح الله تعالى وينزهه بما أبدع فيه من عجيب صنعه وقدرته وينطق بأنه الإله الذي يستحق العبودية وحده ويستحق الحمد والثناء وأن ينقاد كل شيء لعظمته وكبريائه؛ إذاً فتسبيحها هو دلالتها على خالقها ومدبرها بما أبدع من عجيب صنعه فيها.

  وخص ذكر الطير لما في النظر والتأمل فيها من البعث على العجب والتساؤل عما يمسكها في السماء ويمنعها من السقوط، وما هو الذي يسيرها في الهواء؟ فلا بد أن يعترف الناظر بأن قادراً أمسكها، ومدبراً أوجدها على هذه الصفة العجيبة، ولا بد أن يوحد الله تعالى كل من نظر إليها وينزهه عن الشركاء؛ فهذا هو المراد بتسبيحها، وإسناد التسبيح إلى هذه الأشياء من الإسناد المجازي والمراد أنها سبب في تسبيح الله سبحانه وتعالى لكل من نظر وتفكر فيها، وأيضاً لسان حالها ينطق بأن الله تعالى هو المتفرد بخلقها وإبداعها.

  وأما قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ٦}، فالمراد أنها منقادة لله تعالى غير خارجة عن ذلك الميزان الذي قدره لها، ولا متخلفة عما أراده الله منها.

  {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ٤٢} الله وحده هو الذي بيده ملك السماوات والأرض فتوجهوا إليه بعبادتكم، واتركوا ما تَدَّعُونه من الشركاء والأنداد، وإذا كان مصيركم إليه فتوجهوا إليه واستسلموا له وانقادوا.

  {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا} يحث الله سبحانه وتعالى عباده ثانية على النظر في السحاب، وفي عجيب صنعه وتأليفه وكيف يسوقه تعالى سوقاً خفيفاً، ويسيره في السماء بقدرته وتدبيره.


(١) سؤال: يقال: إذاً فلِمَ استخدمت لفظة «من» التي هي للعاقل في فاعل «يسبح»؟ وعلام عطف قوله: «الطير»؟ وما إعراب «صافات»؟

الجواب: جيء بـ «من» الموضوعة للعقلاء لتنزيلهم هنا منزلة العاقل حين أضاف إليهم التسبيح وهو من أفعال العقلاء، أو نقول: إنه غلب العقلاء. و «الطير» معطوف على الاسم الموصول «من». و «صافات» حال من الطير.