سورة النور
  حكم الله ورسوله رفضوا ذلك وأعرضوا عنه، وذلك لأنهم في الحقيقة لا زالوا على الكفر والشرك؛ وقد جعل الله سبحانه وتعالى ذلك علامة لهم يعرفون بها بين الناس.
  {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ٤٩} وأما إذا عرفوا أن الحق لهم عند أحد فإنهم يقبلون إلى النبي ÷ منقادين مسرعين ليحكم لهم.
  {أَفِي(١) قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} ما السبب في رفضهم المحاكمة إلى الله تعالى ورسوله، هل هو لأجل أن قلوبهم لا زالت مليئة بالكفر؟ أم لريبتهم في النبي ÷ بأنه لن يحكم بالحق؟ أم كانوا خائفين أن يجور عليهم النبي ÷ فلا ينتصف لهم؟ والحيف هو الميل والجور.
  {بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ ٥٠}(٢) فليس هذا ولا ذاك، بل لا زالوا على الكفر
= وورعه وثقته وأنه من أهل العلم الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، ومطلعاً على أحواله وأنه من أهل التأني في القضاء ومن أهل التثبت، فلا مجال حينئذ للتأويل.
أما إذا كان المحكم جاهلاً أو ظالماً فلا حرج على من أعرض عن التحاكم إليه، بل لا يجوز أن يرضى بالتحاكم إليه، إلا إذا وثق من نفسه بالقدرة على الحيلولة بين الحاكم والحكم عليه بالباطل، وعرف أنه بتحاكمه إليه لا يتسبب في التغرير على الناس أو على بعضهم بأهلية الحاكم.
(١) سؤال: ما فائدة الاستفهام في هذه الآية أو ما معناه؟ وعلام عطف الفعل المضارع {يَخَافُونَ}؟
الجواب: الاستفهام تقريري و «أم» هي المنقطعة في الموضعين، و «يخافون» معطوف على ما قبله.
(٢) سؤال: هل إطلاق الظلم عليهم حقيقة فمن أي الحقائق؟ أم مجاز فما نوعه؟ وهل بين هذا الإطلاق والمعنى اللغوي مناسبة فما هي؟
الجواب: الظلم هنا هو الظلم اللغوي فهو حقيقة لغوية، وحقيقته: الضرر العاري عن جلب نفع أو دفع ضرر، والمنافقون وصفوا بالظلم لأنهم أدخلوا على أنفسهم الضرر العظيم بأعمالهم الخبيثة، والظاهر أن الظلم باق على معناه اللغوي في استعمالات القرآن وأهل الشرع، فالقرآن وأهل الشرع يسمون الكافر والفاسق والمنافق ظالماً؛ لأن كل واحد من الكافر والفاسق والمنافق يدخل على نفسه الضرر العاري عن جلب نفع أو دفع ضر بكفره وفسقه ونفاقه.