سورة الفرقان
  وتعالى عليهم بأن الذي منعهم من الإيمان إنما هو الكبر؛ لأنهم قد علموا أن ما جاءهم به محمد ÷ هو الحق، وأنه نبي صادق مرسل من عند الله، فرفضوا اتباعه والاستجابة له استكباراً منهم وعناداً، وطلبوا ذلك المطلب المستحيل، وذلك أن المتكبر هو الذي لا يقبل الحق بعد معرفته، ولو كان يمشي في الأرض على وجهه من شدة التواضع. و «العتو» معناه: تجاوز الحد في الكبر.
  {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ٢٢}(١) اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن الإنسان لا يرى الملائكة إلا عند مشارفة الموت، فأخبر تعالى أنه من ساعة أن يرى المرء الملائكة فقد انقطع
= يقبلوه من محمد ÷، فطلبوا أن يرسل الله تعالى إليهم الملائكة، أو أن يروا رب العالمين فيكلمهم هو نفسه، قالوا ذلك أنفة وكبراً من أن يقبلوا من محمد ÷، فقال الله تعالى: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ٢١} أي: لقد جعلوا لأنفسهم مكاناً فوق مكانتهم، فخرجوا من منزلة العبودية إلى منزلة المعارضة لله والمنازعة له، والاقتراح عليه والرفض لأمره، {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا}، أي: غلوا في الباطل غلواً عظيماً، أي: حين رفضوا الحق وأنفوا من قبوله، وطلبوا رؤية الله العلي العظيم، فيدل ذلك نصاً على أن طلب المشركين لنزول الملائكة أو لرؤية ربهم، أي: لواحد من هذين الأمرين معصية كبيرة.
ويدل أيضاً على كبر معصية طلب رؤية الله تعالى أن الله تعالى أصاب بني إسرائيل الذين طلبوا الرؤية بالصاعقة، كما حكى الله تعالى من قولهم لموسى #: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ}[البقرة: ٥٥]، وقوله: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ...} الآية [النساء: ١٥٣].
(١) سؤال: هل يصح أن يعود واو الجماعة في «يقولون» إلى الملائكة، ويكون معنى {حِجْرًا مَحْجُورًا ٢٢}: حراماً عليكم البقاء والبشرى أم لا؟ وكيف يكون إعراب: {حِجْرًا مَحْجُورًا ٢٢}؟
الجواب: يجوز ذلك، وقد فسروه بالوجهين أي: أن يكون من قول الكفار، أو من قول الملائكة. و «حجراً محجوراً» من المصادر المنصوبة بأفعال محذوفة وجوباً، مثل: معاذ الله ولبيك الله.