سورة الفرقان
  التكليف، ولم يبق له إلا ما قدمه من الأعمال؛ وأخبر أن المجرمين عندما يرون ملائكة الموت فقد حان(١) وقت تعذيبهم، وأنهم سيعلمون حينئذ أن لا مفر لهم ولا مهرب منه فيتعوذون عند ذلك منهم، وقد كان العرب قديماً إذا لقي أحدهم عدواً له صاح به: (حجراً محجوراً) أي: لا تقربني ولا أقربك، والحجر هو السد والحاجز.
  {وَقَدِمْنَا(٢) إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ(٣) عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ٢٣} كان المشركون يعملون بعض الأعمال الصالحة مع شركهم، من مكارم الأخلاق، كإكرام الضيف وإغاثة الملهوف وإطعام الطعام ونحو ذلك، فأخبرهم الله سبحانه وتعالى أنها لن تنفعهم تلك الأعمال مع شركهم وكفرهم، وأنها مع الشرك كأن لم تكن، ومعنى «هباءً منثوراً»: سراباً مفرقاً.
  {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ٢٤} فمقيل ومستقر أهل
(١) سؤال: هل مرادكم أن قوله: {لَا بُشْرَى} كناية عن حصول العذاب وتحققه عليهم أم لا؟
الجواب: نعم، ذلك هو المراد.
(٢) سؤال: ما أصل هذه الكلمة؟ وما معناها هنا بالنظر إلى ذلك الأصل؟
الجواب: «قَدِم إلى كذا» جاء إليه، هذا هو معنى الكلمة في الأصل، إلا أنه في هذا المكان غير مراد ولا مقصود؛ لأن الله تعالى منزه عن المجيء والقدوم والذهاب، قال في الكشاف: ليس هنا قدوم ولا ما يشبه القدوم، ولكن مثلت حالهم وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم وإغاثة ملهوف وقِرَى ضيف ومنٍّ على أسير وغير ذلك من مكارمهم ومحاسنهم - بحال قوم خالفوا سلطانهم واستعصوا عليه، فقدِم إلى أشيائهم وما تحت أيديهم فأفسدها ومزقها كل ممزق، ولم يترك لها أثراً ولا عِثيراً.
(٣) سؤال: ما معنى «من» هنا؟ وما فائدة الإتيان بها مع مجرورها هنا؟
الجواب: معناها هنا لبيان الجنس، والفائدة من الإتيان بها مع مجرورها هو بيان الإبهام الذي في الاسم الموصول في قوله: {مَا عَمِلُوا}.