سورة الشعراء
  ثم أخبر الله سبحانه وتعالى أنه لا يستأصل أمة أو أهل قرية، وينزل بهم عذابه إلا بعد أن يُبَلِّغَهم الحجة، ويرسل إليهم رسله ينذرونهم ويحذرونهم، فإن قبلوا وإلا عذبهم الله تعالى لأنهم قد استحقوا ذلك بسبب ما جنوا على أنفسهم، ولأنه لو أخذهم قبل ذلك لكان عذراً لهم عند الله سبحانه وتعالى بأن حججه لم تصل إليهم.
  {وَمَا تَنَزَّلَتْ(١) بِهِ الشَّيَاطِينُ ٢١٠ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ٢١١} ثم رجع الله سبحانه وتعالى إلى ذكر وصف القرآن فأخبر تعالى بأن جبريل هو الذي أنزله إلى محمد ÷ وليست الشياطين، وأن ذلك ليس في قدرة الشياطين ولا استطاعتهم، وأيضاً لا ينبغي أن ينزله الله تعالى على أيديهم.
  {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ٢١٢} ثم ذكر الله سبحانه وتعالى السبب في ذلك بأن الشياطين معزولون عن وحي الله تعالى فلا يستطيعون أن ينفذوا إلى أقطار السماء.
  {فَلَا(٢) تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ٢١٣} ثم نهى الله تعالى
= سواه من المخلوقات الضعيفة، ولما تحكم به مبادئ النظر من قبح الظلم والعدوان والبغي والفساد حكماً جازماً لا يختلف فيه العقلاء ولا يترددون.
والذي لا يستحق المكلفون عليه العذاب إلا بعد مبعث الرسل: هو الإيمان برسل الله، وبما أنزل الله من الكتب، والإيمان باليوم الآخر؛ فإن العقول وإن حكمت على فاعل القبيح باستحقاق العذاب إلا أنها تجوِّز أن يعاقب وأن لا يعاقب، وليس للعقل طريق مكشوفة توصله إلى الإيمان والتصديق باليوم الآخر والحساب والجزاء، وإلى الإيمان برسل الله وكتبه، إلا عن طريق بعثة الرسل، وبهذا التفصيل يتضح جواب الإشكال المذكور في السؤال، والله أعلم.
(١) سؤال: هل اتهموا تنزيل الشياطين له حتى رد عليهم بهذا أم ماذا؟
الجواب: قد اتهموا النبي ÷ بأنه كاهن، أو أنه يتلقى الذكر الحكيم من كاهن، والمعروف عن الكهنة أنهم يتلقون كهانتهم من الشياطين، {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ٤٢}[الحاقة].
(٢) سؤال: ما علاقة الفاء هنا بما تقدمها؟ وهل هذا النهي: «لا تدع» صادر إلى النبي ÷ خاصة، أم على العادة والمراد المؤمنون؟
الجواب: الفاء هي الفصيحة أي: إن لم يكن كما يقولون من تنزيل الشياطين فلا تدع ... ، والنهي موجه إلى النبي ÷ والمراد المؤمنون.