سورة البقرة
  بالمن والأذى في حكم الله مثل المرائي بصدقته وإنفاق ماله أمام الناس وهو غير مؤمن بالله وباليوم الآخر، وهذا المرائي بصدقة ماله ليس له ثواب عند الله، وصفته مثل صفة من بذر حَبَّه على جبل مستوٍ عليه شيء من التراب ثم جاء المطر الغزير فأخذ التراب والبذر، فجاء الزارع فوجد الجبل أملس نضيفاً ليس عليه تراب ولا زرع، فذهب حبه وسعيه باطلاً، فهكذا المتصدق الذي يتبع صدقته بالمن والأذى لا يلحقه من صدقته إلا الحسرة والندامة.
  {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} يعني بنية صالحة {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} مثل بستان في مكان مرتفع {أَصَابَهَا وَابِلٌ} مطر كثير {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} أخرجت أثمارها مضاعفة.
  {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} إن لم يصبها مطر غزير أصابها مطر خفيف وتخرج ثمارها مع ذلك كما في البلدان الخصيبة.
  {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ٢٦٥} بمن ينفق بنية صالحة وغير صالحة، وسيجازي كلاً بعمله.
  {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ} كبر وعجز، {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ} لا يقدرون على عمل شيء {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} لا يود أحد ذلك بل ينفر الناس عن مثل ذلك ويكرهونه أشد الكراهة، وإذا كان الناس ينفرون عن مثل هذه الحالة ويجزعون عند ذكرها فليعلموا أن حال المتصدق الذي يتبع صدقته بالمن والأذى كحال صاحب الجنة المثمرة التي احترقت في حال كبره وعجزه وله ذرية صغار لا يقدرون على العمل والتكسب لصغرهم وضعفهم(١).
(١) سؤال: ما فائدة ضرب هذا المثل؟
الجواب: الفائدة من ضرب هذا المثل هو تصوير حال المتصدق الذي يتبع صدقته بالمن والأذى، والمتصدق الذي يرائي بصدقته حيث صور ذلك بصورة منفرة تنفر عنها النفوس وتأباها الطبائع، وذلك من أجل أن يبتعد المؤمنون عن المن والرياء في صدقاتهم.