سورة البقرة
  {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} من زيادة عفتهم يظن من يجهل حالهم أنهم أغنياء.
  {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} قد أثر الفقر في صورهم، وقد ضعفت أبدانهم {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ٢٧٣} أي: نفقة تنفقونها فإن الله يعلمها، وسيجازيكم عليها، ومعنى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} أنهم يتعففون عن المسألة فلا يلحون في مسألة أحد، بل ولا يسألون إطلاقاً بدليل {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ}.
  {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ٢٧٤} مدح الله ناساً من المسلمين كانوا ينفقون أموالهم ليلاً ونهاراً، وسراً وعلانية، فأثنى الله عليهم فقال: (لهم أجرهم عند ربهم) ولا يلحقهم خوف ولا حزن بل في سرور ونعيم دائم روي في غير ما خبر أنها نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب #.
  هذه الآيات التي مضت حث الله المسلمين فيها على الإنفاق، ونزلت آيات الإنفاق هذه في المدينة، وكان المسلمون فيها ينقسمون إلى قسمين: أهل المدينة وهم سكان البلاد الأصليون، وهم أهل التجارات والأموال والثراء.
  والقسم الثاني: المهاجرون، وكانوا فقراء جميعاً لا يملكون شيئاً، فحث الله أهل الأموال على الإنفاق على فقراء المهاجرين، فقاموا به، وأنفقوا على الفقراء المهاجرين إليهم، وجهزوا الجيوش {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: ٩].
  ثم بعد ذكر الإنفاق قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} وهو الذي كلما قام خبطت به الجن، فهو مثل المصروع، وهذه علامتهم يوم القيامة يعرفون بها.