محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة العنكبوت

صفحة 325 - الجزء 3

  {ثُمَّ اللَّهُ⁣(⁣١) يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٠} فمن ابتدأ خلقها فهو قادر لا محالة على أن يعيد⁣(⁣٢) خلقها مرة أخرى، يعلم ذلك كل عاقل إذا نظر وتفكر.

  {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ٢١} وقد اقتضت حكمته أن لا يعذب إلا من استحق العذاب، وأما المؤمنون فهم في رحمته وثوابه، ويوم القيامة سوف يرجع جميع الناس إليه للحساب والجزاء.

  {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ٢٢} أنتم أيها الكفار لستم معجزين لله تعالى فأنتم تحت قبضته وسيطرته، ولا مفر ولا مهرب لكم من قبضته، فلا تظنوا أنكم تستطيعون الهروب والفرار من الله تعالى ومن حسابه وجزائه، ولن تجدوا لكم حين ذلك من ينصركم أو يدفع عنكم العذاب، فلا صاحب ولا قريب.

  {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَاءِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ


(١) سؤال: ما العلة في تقديم المسند إليه هنا، وكان حقه التأخير لمناسبة ما قبله؟

الجواب: أمرهم الله تعالى في هذه الآية أن ينظروا كيف بدأ الخلق، فإذا نظروا فسيعلمون أن الذي بدأ الخلق هو الله. «ثم الله ينشئ» أي: ثم الله الذي عرفتموه بعد النظر والتفكر في بدء الخلق ورأيتم آثار عظيم قدرته هو الذي ينشئ النشأة الآخرة بعد الموت، وبهذا يعرف السبب الداعي إلى إظهار الاسم العظيم وتقديمه؛ فالذي قدر على البدء هو وحده القادر على الإعادة.

(٢) سؤال: إذا قيل بأن الإنشاء يدل على ابتداء خلق جديد لا على إعادة ما أصله موجود، فالإنشاء ليس أسهل من البداية؛ فكيف يجاب على ذلك؟

الجواب: يقال في الجواب: الإنشاء –سواء كان ابتداء خلق أم إعادة الأولى - يكون أسهل هذا ما تعهده العقول وتحكم به، وذلك من حيث ما تعهده في مصنوعات البشر أن من ابتدأ صنع آلة محكمة ونجح في صناعتها ثم أراد أن يصنع مثلها فإن صناعتها تكون أسهل عليه، وذلك لأنه قد اكتسب من الصناعة الأولى خبرة وتجربة، وهذا أمر واضح بين البشر.