سورة الروم
  النوم فهو آية من آيات الله تعالى الدالة عليه وعلى علمه وحكمته ورحمته، فانظر إذا أرهقك التعب كيف يزيل النوم عنك ذلك التعب، وكيف ترى جسمك يستعيد نشاطه وكامل قواه عندما يأخذ حاجته من ذلك النوم، فيكون عنده الطاقة التي تمكنه من السعي وراء رزقه والابتغاء من فضل ربه.
  {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ٢٣ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا(١) وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ٢٤} وكذلك من آياته الدالة على عظمته وقدرته ذلك البرق الذي ترونه يلمع في السماء يكاد يخطف الأبصار من قوة وهجه ولمعانه، وكيف يكون ذلك البرق سبباً في نزول المطر من السحاب، ثم يحيي الله تعالى بذلك المطر الأرض اليابسة الميتة، أليس ذلك يدل على أنه لا بد أن يكون هناك مدبر حكيم قد أوجد ذلك وسخره وهيأه على حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة، وتدعو إليه الحاجة
الجواب: قد قيل: إن في هذه الآية لف ونشر غير مرتب، أي: أن الابتغاء من فضل الله بالنهار، والنوم بالليل، فلا يكون في الآية دليل على ما ذكرتم، ويمكن الاستدلال على هذا القول بنحو قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ٩ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ١٠ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ١١}[النبأ]، وهذا التفسير أولى من غيره.
(١) سؤال: يقال: ما السر في عدم الإتيان بالمصدر في «يريكم»، ومخالفته لما قبلها وما بعدها من الآيات؟ وما إعراب: «خوفاً وطمعاً»؟
الجواب: السر هو التفنن في العبارة، ألا تراه كيف عبر بالمصدر نفسه في قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ}، ومرة بـ «أن» والفعل وهو الأكثر، وأخرى بالفعل وحده. و «خوفاً وطمعاً» مفعول من أجله أي: لأجل الخوف والطمع، وقد أشكل عليهم أنه لم يتحد فاعل الفعل وفاعل الخوف والطمع، واتحادهما شرط في صحة المفعول من أجله، وقد تأول أهل النحو هذا بعدة تأويلات ليصح كون ذلك مفعولاً من أجله، فأحسن ما قيل إن «خوفاً وطمعاً» بمعنى: إخافة وإطماعاً، وبذلك يكون فاعل الفعل (الإراءة) وفاعل الإخافة والإطماع واحد وهو الله تعالى.