سورة الروم
  من دون أي زيادة أو نقصان عما يحتاج إليه الخلق، فانظر لو أنه زاد على القدر المعتاد أو نقص كيف ستكون حالة الأحياء؟ وهل ستستمر الحياة أم أن أكثر المخلوقات ستموت، وأن توازن الحياة سيختل؟ فسبحان من أوجده على ذلك الميزان الدقيق.
  {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ٢٥}(١) وأن من آياته الدالة على عظمته وجلاله وقدرته هو ما قد أقامه من ذلك النظام الدقيق في السماوات والأرض من إنزال المطر، وإجراء الأنهار، وإخراج الثمار، وجري السحاب، ومسير الشمس والقمر، وما فيهما من المخلوقات العاقلة وغير العاقلة كل ذلك يُسَيِّرُهُ بأمره وإرادته وقدرته، فهذا هو قيام السماوات والأرض بأمره، وكل ذلك سينتهي ويزول، ولكن لا بد من حياة أخرى مترتبة على هذه الحياة لتكتمل الحكمة والمصلحة وإلا لعد كل ذلك الخلق عبثاً، وذلك مستحيل على الله سبحانه وتعالى، فلا بد من البعث والحساب والجزاء.
  {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ٢٦} فكل من في السماوات والأرض لله تعالى وتحت قبضته وسيطرته، وكلهم خاضعون له ومنقادون لأمره وإرادته.
  {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ} وهو وحده الذي ابتدأ خلق السماوات والأرض وما فيهما، واخترع كل ذلك بقدرته وعلمه وحكمته، ولا بد أن يفني جميع ما قد خلقه وأوجده.
(١) سؤال: أين الاستعارة في قوله: «أن تقوم السماء والأرض»؟ وعلام عطفت الجملة الشرطية: «إذا دعاكم ... إلخ»؟
الجواب: الاستعارة هي في الفعل فالاستعارة تبعية، وعطف الشرطية على: {أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ}؛ لأن قيام الأرض بأمره يراد به استمرار حياة الأحياء على ظهرها بما جعل الله لهم فيها من الهواء والماء والأرزاق والشمس والقمر والنجوم والبحار و ... إلخ.