سورة الروم
  سبحانه وتعالى عن حال المشركين والكافرين ساعة مبعثهم وقيامهم من قبورهم إلى الحساب والجزاء حيث يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا(١) فيحلفون أنهم لم يلبثوا إلا ساعة.
  {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ٥٥} وهكذا كانت حالتهم في الدنيا، لا يهتدون إلى الحق والصدق؛ لأنهم بقولهم ذلك القول يوم القيامة: ما لبثوا إلا ساعة لم يتكلموا بالحق والصدق فقد لبثوا في الحقيقة أكثر من ذلك، فطبيعتهم الكذب في الدنيا والآخرة والعمى عن معرفة الحق والصواب.
  {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٥٦}(٢) ثم أخبر الله تعالى أن المؤمنين
= بالساعة هنا جزء من النهار مقدر على أكثر تقدير من شروق الشمس إلى الزوال، بدليل قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ٤٦}[النازعات]؛ لذلك فتفسر الساعة المذكورة هنا وفي قوله تعالى: {إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}[الأحقاف: ٣٥] بهذا، والقرآن يفسر بعضه بعضاً.
(١) سؤال: فضلاً هل يصح أن تحمل الآية على استقصارهم لمدة لبثهم في القبور ليوافق قولهم: {يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}[يس: ٥٢]، ولقولهم: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}[المؤمنون: ١١٣]، ولأنه المتبادر؟ أم كيف؟
الجواب: نعم، ذلك يدل على استقصارهم للمدة مع علمهم بأنهم لبثوا أكثر، ولكنهم لاستقصارهم المدة شبهوا بمن لم يلبث إلا يوماً أو بعض يوم {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}[الأحقاف: ٣٥].
(٢) سؤال: هل في هذه الآية رد صريح على من استدل على نفي عذاب القبر بتسمية المجرمين له مرقداً واستقصارهم لمدته؟
الجواب: حياة البرزخ ونعيمه أو عذابه كالمجمع عليه بين علماء أمة محمد ÷، إلا أنها حياة روحية لا جسدية، فالأجساد قد ماتت وفارقتها الروح وصارت تراباً وعظاماً نخرة، لا حياة لها في القبر. والحياة في القبر يراد بها حياة الروح وحدها، وعذاب الروح في البرزخ هو عذاب معنوي حيث تعرض على المجرم ما أعد الله له من العذاب في نار جهنم، فيرى جزاءه وما فيه من الأهوال =