محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الروم

صفحة 382 - الجزء 3

  سوف يردون على كذبتهم تلك بأنهم قد لبثوا أكثر من ساعة، وقد لبث أنبياء الله ورسله يدعونهم إلى الله سبحانه وتعالى الأعمار والسنين الطويلة.

  ومعنى «في كتاب الله»: أي في مصاحبة كتاب الله في الدنيا وهذا على تفسير استقصارهم لمدة لبثهم في الدنيا كما قدمنا، وإن فسرناه باستقصارهم لمدة لبثهم في البرزخ فمعناها فيما علمه الله من المدة المقدرة عنده في اللوح المحفوظ.

  {فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ٥٧}⁣(⁣١) وذلك


= والشدة، ويرى لهيب النار وشدة سعيرها، ويرى مكانه فيها، ويعلم أن مصيره إليها؛ فهو في ضيق شديد وخوف عظيم وفزع لا يقدر قدره، ولا يزال مع ذلك متوقعاً لليوم الذي تبعث فيه الأجساد؛ فإذا وقع ذلك اليوم وبعث الله الأجساد وأحياها ورد فيها أرواحها استقصر المجرمون مدة لبثهم في البرزخ؛ لعلمهم بما أعد الله لهم من العذاب الدائم في نار جهنم، وعلمهم بشدته.

سؤال: يقال: هل بين مدلول هذه الآية والتي قبلها وبين ما يقال: إنهم سيصدقون يوم القيامة بجميع ما أنكروه ضرورة تعارض أم لا؟

الجواب: ليس بين ما ذكرتم تعارض، وليس في الآيتين ما ينافي تصديقهم يوم القيامة لجميع ما كانوا أنكروه في الدنيا؛ إذ لم يقع منهم يوم القيامة إلا استقصارهم لمدة لبثهم في الدنيا، وقد أجاب عليهم الذين أوتو العلم والإيمان بأنهم لبثوا في الدنيا زمناً طويلاً يتلى عليهم فيه كتاب الله وآياته وحججه عليهم فكذبوه، وأنذرهم بيوم القيامة فكذبوه، فقالوا لهم: فهذا يوم القيامة الذي كنتم تكفرون به.

سؤال: ما علاقة تذييل الآية بقوله: {وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٥٦

الجواب: علاقته أنه تتمة لقوله: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ...} أي: ولكنكم أعرضتم عن كتاب الله وكذبتم به ولم تصدقوا ما جاءكم فيه من الإنذار بيوم القيامة وما أعد الله للكافرين وكنتم من الجاهلين به.

(١) سؤال: مم أخذت هذه الكلمة «يستعتبون» وما أصلها؟

الجواب: الأصل «عَتَبَ» وبابه نصَر وطرِب، يعتب عَتَباً وعَتْباً، عتب عليه بمعنى: وجِد عليه وغضب عليه مع الإذلال، ولا زلنا نستعمل هذا اللفظ إلى اليوم. وأعتبه بمعنى: سرَّه، واستعتبه بمعنى: استرضاه، أي: طلب رضاه. اهـ من المختار. [وقد تقدم هذا الكلام في جواب سؤال على الآية (٨٤) من سورة النحل].