محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة لقمان

صفحة 394 - الجزء 3

  أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ١٧}⁣(⁣١) ثم أوصى ابنه بالمحافظة على أداء الصلوات لما لها من الأهمية، وما فيها من الصلة بين العبد وربه، وكذلك يوصيه بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يصبر في سبيل ذلك، ويبذل في ذلك المجال الغالي والرخيص؛ وهذه الوصايا من الأمور التي قد شدد الله تعالى في أدائها ونبه على الحرص عليها لما لها من الأهمية والدور في نشر دينه، بل لأن ذلك هو الغرض الذي بعث الأنبياء من أجله.


= الوجوب من عدم خشية التلف أو نحوه، فكيف يجاب على ذلك؟

الجواب: إذا ظن المؤمن أنه إن ذهب إلى ظالم أو فاسق ليأمره أو ينهاه فسوف يقتله أو يجرحه أو يسجنه فإنه لا يجب عليه، وذلك لأنه لا فائدة من أمره ونهيه ولا أثر له إلا تعريض نفسه للقتل أو الجرح أو ... ، وذلك لا ينبغي ولا يجوز إلا إذا كان في ذلك إعزاز للدين وإدخال للهيبة والرعب في قلوب الظالمين، ودليل ذلك ترك رسول الله ÷ لنصرة آل ياسر والدفاع عنهم لَمَّا مرَّ وهم يعذبون بل قال: «صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة»، وكذا أجاز سبحانه وتعالى لعمار بن ياسر النطق بكلمة الكفر عند خشيته على نفسه وأنزل فيه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}⁣[النحل: ١٠٦]، وكذلك أمير المؤمنين علي # فقد ترك القيام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد موت النبي ÷، وفي خطبته المسماة الشقشقية ما يدل على ما ذكرنا، وعلى هذا فيجب الأمر والنهي إذا ظن التأثير ووجد المعين على إزالة المنكر، وكل منكر بحسبه، ويجب الصبر حينئذ، ففي آخر الشقشقية: (أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ... إلخ) فقد بين أن الحجة لم تلزمه إلا بوجود الأنصار وظن التأثير فعند ذلك صبر أمير المؤمنين وأصحابه على ما أصابهم في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(١) سؤال: لو فصلتم لنا القول في معنى «عزم الأمور» لكان مناسباً؟

الجواب: «عزم الأمور» بمعنى: معزومات الأمور، أي: مفروضاتها ومقطوعاتها، فوضع المصدر «عزم» موضع اسم المفعول «معزوم»، ومعزوم بمعنى مقطوع أي: مفروض، يقال: عزمت عليك إلا فعلت كذا، أي: حتمت عليك وألزمتك.