سورة السجدة
  {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ١٢} يقص الله سبحانه وتعالى على نبيه ÷ حالة أهل النار عند مبعثهم وقيامهم إلى الحساب والجزاء، وذلك أنه سيظهر على وجوههم عند ذلك الخوف والجزع والذل والخزي، ولو ترى يا محمد أو أيها السامع حين يستغيثون ويصرخون من شدة الخوف والجزع قائلين(١): يا رب الآن قد عرفنا الحق، وأيقَنَّا بصدق وعدك ووعيدك، فهل لنا من رجعة لنتدارك ما فرط منا؟ ولكن حين لا ينفع الندم، ولا الصراخ والدعاء.
  {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} كان النبي ÷ حريصاً أشد الحرص على إيمان قومه ودخولهم في الهدى، وقد أجهد نفسه في ملاحقتهم؛ خوفاً عليهم من عذاب الله وسخطه، ولكنهم لم يستجيبوا له أو يؤمنوا له، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه بأن لا يتعب نفسه في ملاحقتهم فلن يؤمنوا أبداً، وأخبره أنه لو أراد أن يلجئهم(٢) إلى الإيمان لفعل ذلك، غير أن الحكمة اقتضت أن يكون ذلك موكولاً إلى مشيئتهم واختيارهم؛ ليتم التكليف، فيبتني عليه الثواب والعقاب، وذلك أن الثواب لا يستحق إلا إذا كان على ذلك الوجه من الاختيار، فأما المضطر إلى الفعل فلا يستحق شيئاً من الثواب على فعل ما اضطر إلى فعله، وكذلك العقاب.
(١) سؤال: هل مرادكم أن قوله: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} مقول لقول محذوف منصوب على الحال؛ فهل هو كذلك؟
الجواب: نعم، ذلك هو المراد.
(٢) سؤال: فضلاً ما الدليل على أن المشيئة هنا في الآية مشيئة إلجاء؟
الجواب: الدليل على ذلك هو معنى: {لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} أي: بأن يجعل لها هدى في طبيعتها لا تخرج عنه ولا تميل إلى غير الهدى، كما جعل تعالى للحيوانات هدى تهتدي به إلى ما أراده الله منها من استمرار الحياة والتكاثر، والتوقي من المهالك، والدفاع عن أنفسها، والهروب مما يُخاف والتخفي، وطلب الطعام والشراب، ونحو ذلك.