سورة سبأ
  أرادوا بذلك أن يظهروا قوتهم وقدرتهم على قطع الفيافي والقفار من دون ما يؤمن طريقهم ليثبتوا أنهم قادرون على تأمين أنفسهم، وليعرف الناس قوتهم وقدرتهم على حماية أنفسهم وتوفير الزاد والماء حيث لا يوجد الزاد والماء.
  {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بعصيان الله وكفر نعمته.
  {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ(١) وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} ثم إن الله سبحانه وتعالى عذبهم وفرقهم، وشتت شملهم في جميع البلدان، فبعض منهم سكنوا أرض عمان، وأناس في المدينة، وبعضهم في مصر، وبعضهم في المغرب، وبعضهم في العراق، ولم تبق بلاد إلا وقد استوطنها أناس منهم، ولم يبق من أثرهم إلا ما يتحدثه الناس في مجالسهم بأنه كان هناك قوم يسكنون تلك البلاد و ... و ... و ..
  {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ١٩} ثم أخبر الله سبحانه وتعالى أن فيما جرى على أهل سبأ لعبرة لمن أراد أن يعتبر ويعرف كيف يكون جزاء كفر نعم الله تعالى.
  ووصف الصبار بالشكور فيه دلالة(٢) على أنه لا بد من الصبر على أداء شكر الله تعالى، ومجاهدة النفس وقمع هواها.
  {وَلَقَدْ صَدَّقَ(٣) عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ٢٠}
(١) سؤال: يقال: كيف ساغ حمل اسم المعنى «أحاديث» على الذات وهو ضمير «هم» في قوله: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ}؟
الجواب: ساغ ذلك للمبالغة لكثرة ما يتحدث الناس عما صاروا إليه من البؤس بعد النعمة.
(٢) سؤال: فضلاً من أين فهمنا هذه الدلالة؟
الجواب: فهمناها من حيث إن الله تعالى يذكر هنا أنه يتعظ ويعتبر بهذه الآية من اتصف بهاتين الصفتين جميعاً.
(٣) سؤال: يقال: هل من الممكن أن نقول: إن التضعيف في قوله: «صدَّق» أفادنا الصيرورة بمعنى: صير ظنه صدقاً؟
الجواب: نعم، التضعيف يفيد ما ذكرتم وهو المعنى المراد في الآية.