محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة سبأ

صفحة 485 - الجزء 3

  إبليس عندما أغوى آدم وأخرجه من الجنة أقسم إنه ليغوين جميع عباده إلا المخلصين منهم؛ فأخبر الله سبحانه وتعالى هنا أن إبليس قد صدق في ظنه ذلك الذي أقسم عليه، وأن من جملة من أغواهم أهل سبأ هؤلاء فقد أضلهم جميعاً وأغواهم إلا القلة القليلة من المؤمنين فلا طريق له إليهم⁣(⁣١).

  {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ} وخروجهم عن شكر الله وطاعته، واتباعهم لإبليس كان باختيارهم ومشيئتهم واستجابة لهوى أنفسهم، فلم يكن له أي تسلط أو قدرة على إلجائهم إلى الخروج رغماً عنهم.

  {إِلَّا⁣(⁣٢) لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ٢١}⁣(⁣٣) وحكمة الله سبحانه وتعالى قد اقتضت التخلية بينه وبينهم، وأن يجعل اختيارهم موكولاً إلى أنفسهم يختارون ما أرادوا ويسلكون أي طريق أرادوا، وهذه التخلية امتحان واختبار منه لهم ليتميز من يؤمن بالله سبحانه وتعالى من غيره.

  {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ


(١) سؤال: هل عرف أن ثَمَّ مؤمنين من أهل سبأ؟ أم أن الآية عامة فيهم وفي غيرهم؟

الجواب: الأولى أنها عامة فيهم وفي غيرهم.

(٢) سؤال: هل الاستثناء هنا أثبت لإبليس التسلط والاستيلاء بالوسوسة لأجل هذه الحكمة العظيمة، وهي التمييز بين المؤمن بالآخرة والمتشكك فيها؟

الجواب: نعم، أثبت له ذلك، أي: أن الله تعالى خلى بينه وبين المكلفين ليزين لهم الباطل، فسلطانه هو تزيين الباطل وتسهيله عليهم بالأماني، وليس له سلطان فيما سوى ذلك.

(٣) سؤال: هل اقتضت هذه الآية أن من استجاب لوسوسة إبليس فهو متشكك في أمر الآخرة أم لا؟

الجواب: نعم، تقتضي الآية ذلك، ويتأيد ذلك بما روي في الحديث: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ...» الحديث.