سورة فاطر
  ما طاب من الكلام من ذكر الله سبحانه وتعالى والثناء عليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا الذي يتقبله الله تعالى ويثيب عليه، وكذلك الأعمال الصالحة يتقبلها الله سبحانه وتعالى ويجعلها في ميزان الحسنات.
  {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} وأما أولئك الذين يسعون بالفساد في الأرض ويعملون المعاصي والمنكرات، ويتحيلون لإبطال دين الله وشرائعه فهم من أهل عذاب الله تعالى وسخطه.
  {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ١٠} ثم أخبر الله سبحانه وتعالى أن مكرهم ذلك لن يضره، وأن ما يكيدونه لدينه ولأوليائه سيبطله، وأن ضرر ذلك لن يكون إلا على أنفسهم(١).
  {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} يبعث الله تعالى عباده على التفكر في قدرته والتأمل في آياته، وفي نعمه عليهم، وأن ينظروا في خلقهم ليعرفوا حقارة أنفسهم، وأنهم لم يخلقوا إلا من تلك النطفة القذرة المهينة، ثم لينظروا إلى تلك النطفة كيف تحولت بقدرته تعالى إلى إنسان سوي كامل القوى. والمراد بقوله «ثم جعلكم أزواجاً»: أي جعلكم ذكوراً وإناثاً.
= الخبيث والعمل السيئ غير مقبول عند الله ولا يستحق فاعله ثواباً من الله؛ لذلك خص الكلم الطيب والعمل الصالح بالصعود والرفع إلى الله.
(١) سؤال: يقال: قد يصيب المؤمنين أشياء كثيرة من مكر أولئك المبطلين فكيف مع هذه الآية؟
يقال في الجواب: المراد أنه لا يتم للكافرين وأعداء الإسلام وأهله ما أرادوه ودبروه من محو الدين واجتثاثه من أصله واستئصال أهله، بل ما زال الدين ينمو ويتوسع، وما زال أهله يكثرون حتى صار له كيان كبير ودولة عظمى في جزيرة العرب، واندحر المشركون وفسد مكرهم وبطلت مكائدهم، هذا هو المراد، {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}[الأنفال: ٣٦]، وليس المراد أنه لا يصيب المؤمنين أي أذى إطلاقاً في سبيل الدعوة إلى الله، بل المراد كما ذكرنا أن العاقبة الحسنة تكون لهم.