سورة يس
  وقد شبه الله تعالى حال أولئك القوم بحال من قد ضرب عليهم بسد وحاجز من أمامهم ومن خلفهم، فلا يستطيع أحد أن يسمعهم الخطاب، وأيضاً شبههم في عدم اهتدائهم واستجابتهم للنبي ÷ كمثل الذي قد غُطِيَ على عينيه فهو يتخبط ولا يستطيع أن يهتدي إلى طريق أبداً، ومهما وصفت له الطريق فلن يهتدي إليها.
  {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ١١}(١) إنه لن ينتفع بتذكيرك ومواعظك إلا أولئك الذين اتبعوك وآمنوا بالقرآن، وصدقوا ما أخبرتهم به من الأمور الغيبية كيوم القيامة والحساب والجزاء، وهم الذين يخشون الله تعالى إذا ذكروه، ويخافون غضبه وسخطه وعقابه.
  وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ أيضاً أن يبشر هؤلاء الذين آمنوا به، وصدقوا ما جاء به بأن الله سبحانه وتعالى سيغفر لهم ذنوبهم يوم القيامة، ويجزل لهم الثواب العظيم والنعيم الدائم الذي لا ينقطع.
  {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى(٢) وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي
(١) سؤال: قد يستدل بهذه الآية على أنه لم يجب على النبي إنذار من لم يتبع القرآن ويستجب للذكرى أو لم يظن فيه تأثير الذكرى فكيف ذلك؟ وهل يمكن أن يكون دليلاً على سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا لم يظن المؤمن التأثير أم لا؟
الجواب: معنى «إنما تنذر»: إنما ينتفع بإنذارك بدليل المقابلة بين أهل هذه الآية وبين الكافرين الموصوفين قبل هذه الآية، وحينئذ فلا تدل الآية عن سقوط الإنذار على النبي ÷ كيف وقد قال الله تعالى: {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ٥ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ...} الآيات.
(٢) سؤال: ما وجه التأويل بالمجاز لقوله: «إنا نحن نحيي الموتى»؟ وهل يصح أن تحمل الآية على إحياء الموتى حقيقة لمناسبتها لقوله: «نكتب ما قدموا وآثارهم»؟
الجواب: سياق ما قبل هذه الآية يفيد أن النبي ÷ كان يبالغ في السعي إلى هداية قومه جاداً جد من يرجو إسلامهم ويتوقع إيمانهم، فأخبر الله تعالى بأن مبالغته وجده في ذلك لا يؤثر فيهم {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} فليس في قدرتك يا رسول الله أن تدخلهم في الهدى، ثم جاءت هذه =