محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة يس

صفحة 535 - الجزء 3

  إِمَامٍ مُبِينٍ ١٢} لن يقدر على إحياء الموتى إلا الله سبحانه وتعالى وحده، فهو قادر على أن يدخلهم في الإيمان، ويلجئهم إليه لولا حكمة التكليف التي اقتضت تركهم إلى اختيارهم، وعدم إجبارهم على الهدى، وإكراههم على الدخول فيه؛ لأن الأمر لو كان كذلك لبطل الغرض من التكليف الذي هو استحقاق الثواب والعقاب، وهذا ما لا يريده الله سبحانه وتعالى.

  ثم أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ أن ما عملوا من الأعمال السيئة، وما ترتب عليها ولحق بها فهو في علمه⁣(⁣١)، ولن يضيع عنده شيء، وسيجازيهم على كل صغيرة وكبيرة. والمراد بـ «آثارهم»: ما سنوا من سيئات يعمل بها بعدهم.


= الآية لتدل على أن الله تعالى وحده هو القادر على أن يضطرهم إلى الدخول في الهدى، فعلى هذا فالسياق هو القرينة الدالة على إرادة المجاز.

وبعد، فقد كثر في القرآن استعمال الموت والحياة في الكفر والإسلام {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ}⁣[الأنعام: ١٢٢]، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ٢٢}⁣[فاطر].

(١) سؤال: إذا قلنا بأن تأويل: «إمام مبين» علم الله وحفظه، فما قرينة هذا التأويل؟ ومم نأخذ ذلك؟ وهل يصح أن يحمل على حقيقة الكتب والتسجيل كما مر لكم حفظكم الله في سورة الإسراء وغيرها؟

الجواب: الظاهر في تسجيل الحفظة لأعمال بني آدم أنه حقيقة، والمصلحة والحكمة فيه تعود إلى المكلفين من الناس؛ لأن المكلف إذا علم أن عنده رقيباً يحفظ أعماله ويحصيها ويكتبها صغيرها وكبيرها حتى الكلمة والنظرة ... احتاط لنفسه وتحرز عن الوقوع في المأثم وإن صغر، ويكون ما سجله الحفظة وثيقة شاهدة على أعمال المكلف إذا أنكر، وفيها حكمة أخرى وهي إظهار عدل الله فيما حكم به على كل مكلف حين تعلن صحيفته يوم القيامة، وقد مر لنا جواب في ذلك، هذا وقد يكون التوثيق والتسجيل بتسجيل الصوت والصورة، ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٢٤}⁣[النور]، {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥}⁣[يس]، والله أعلم.