سورة ص
  هما خصمان قد تعدى بعضهما على بعض، يريدان منه أن يفصل بينهما بالحق، والمراد بالمحراب: مصلَّى العبادة.
  {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ٢٢} وطلبا منه أن يحكم بينهما بالحكم الحق. ومعنى «ولا تشطط»: لا تظلم ولا تَجُرْ في حكمك.
  ثم بدأ أحدهما بالشكوى من صاحبه فقال: {إِنَّ(١) هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا(٢) وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ٢٣} فأخبره أن
(١) سؤال: أين خبر «إن» في هذه الآية مع بيان وجهه؟
الجواب: في خبر «إن» توجيهان:
١ - أن الخبر قوله: «أخي» والجملة التي بعده وما عطف عليها لا محل لها من الإعراب، مستأنفة في جواب سؤال مقدر أي: ما شأنكما؟
٢ - أن الخبر جملة «له تسع و ...» وقوله «أخي» نعت لهذا، أو بدل منه.
(٢) سؤال: من فضلكم ما أصل قوله: «أكفلنيها»؟ ومم أخذت؟ وهل تدل على أنه قد أراد تملكها؟ فما معنى قوله: {بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ}؟ ولم سماهما خلطاء في الآية بعدها؟
الجواب: «أكفلنيها» مأخوذة من الكفل بمعنى النصيب {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}[النساء: ٨٥]، أي: اجعلها في نصيبي وفي ملكي، وطلب ذلك يدل على أنه قد أراد، وهذا في صورة المثل الذي حكاه الخصمان. أما نبي الله داود # فلم يكن منه عزم ولا إرادة وإن كان صدر منه شيء فليس سوى الخواطر وما يحدث للطبيعة البشرية من الميول والرغبة المجردة عن العزم والنية والإرادة، وحاشا نبي الله داود # عما ذكره اليهود من أن داود # تحيل لقتل زوج أوريا من أجل أن يتزوج زوجته، وقد تسربت قصص الأنبياء بما فيها قصة داود # من علماء اليهود إلى المسلمين فكتبوها في تفسير القرآن الكريم، وقد انتقدها العلماء من الشيعة والسنة، وحذروا من الوثوق بها والركون إليها، واشتهر تسميتها بينهم بالإسرائيليات. والقصة التي حكاها الخصمان لداود # ليحكم فيها بحكمه قد كانت كالتنبيه لداود # من أجل أن لا يقع في مثلها، ولم يكن منه # حينها إلا الخواطر وحديث النفس من غير عزم ولا نية. وقوله: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ} كالتأكيد لقوله: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ ...} قال ذلك داود # بناءً على أن الخصومة بين الخصمين في نعجة كانت بين التسع والتسعين فطمع فيها صاحب التسع والتسعين، ولم يتنبه داود # إلى المقصود من تلك المخاصمة إلا بعد أن أصدر الحكم وفصل بحكمه بين الخصمين، عند ذلك تنبه.