سورة الزمر
  النطفة التي يلقيها الرجل في بطن المرأة، ثم إن هذه النطفة تتحول إلى قطعة دم متجمدة بقدرته، ثم إن العلقة هذه تتحول بقدرته إلى قطعة لحم، ثم إن قطعة اللحم هذه تتحول إلى عظام ومفاصل وأعضاء، ثم بعد ذلك تكتسي هذه العظام باللحم، ثم ينفخ فيه الروح بقدرته فيصير خلقاً آخر.
  والظلمات الثلاث هي ظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، وظلمة البطن، فيتكون هذا الإنسان في تلك الظلم تحت رعاية الله سبحانه وتعالى وعنايته وتدبيره {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٨٢}[يس].
  {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ(١) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} فهذا الذي قدر على خلقكم وإيجادكم هو ربكم أيها المشركون الذي يستحق أن تخصوه بالعبادة؛ لأنه المالك لكل ما في السماوات والأرض فلا شريك له في إلهيته وربوبيته.
  {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ٦} فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره؟ وما هو الذي صرفكم إلى عبادة غيره من الآلهة، وترك عبادة الذي خلقكم والذي بيده أمركم؟
  {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} ثم خاطب الله سبحانه وتعالى المشركين وأخبرهم بأنه لم يدعهم إلى الهدى والإيمان إلا لمصلحتهم ورحمة بهم، وأما هو فليس محتاجاً إليهم ولا إلى طاعتهم، وإن كفروا أسخطوه وحرموا رضوانه، وسيعذبهم جزاءً على كفرهم(٢).
(١) سؤال: ما السر في فصل جملة «له الملك» عن الجملة التي قبلها؟
الجواب: فصلت لأنها خبر ثالث لـ «ذلكم»، والله: خبر أول، وربكم: خبر ثان.
(٢) سؤال: من أي وجه كانت هذه الآية دليلاً على أن الله لا يشاء الكفر من الكافر، ولا يريد الضلال من الضال؟
الجواب: يلزم أولاً أن نعرف هنا أن الرضا والمحبة والكره والغضب والمشيئة والإرادة هي بالنسبة للإنسان انفعالات نفسية تبعث صاحبها وتدعوه إلى أن يفعل، فإذا حصل الرضا في النفس عن شخص مثلاً انبعث الشخص إلى فعل الإحسان إلى الشخص، وإن حصل الكره في النفس انبعث =