سورة الزمر
  {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} وأما إذا آمنتم بالله تعالى وشكرتم نعمه عليكم فإنه سيثيبكم، وسيجازيكم أحسن الجزاء وأجزله.
  {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ثم أخبر الله سبحانه وتعالى أن كل واحد مسئول عن نفسه، وأنه وحده سيتحمل وزره على ظهره، ولن يحمل عنه أحد شيئاً، وأن مرجع الجميع إلى الله
= صاحبها إلى الإساءة إلى ذلك الشخص المكروه، وهكذا الغضب. فإرادة الإنسان للانتقام من شخص لا تكاد تحصل إلا إذا كانت النفس منفعلة غضباً أو كرهاً للشخص، وإرادة الخير لشخص لا تحصل إلا إذا كانت النفس منفعلة بالرضا عن الشخص وبالمحبة له، والحاصل أن إرادة فعل الخير أو فعل الشر لا تحصل في الإنسان إلا إذا وجد الباعث النفسي الذي هو الحب أو الكراهة أو الرضا أو الغضب التي هي انفعالات نفسية فيترتب على هذه الانفعالات انفعالات أخرى وهي الإرادة، والإرادة هي: العزم والتصميم على الإحسان إلى الشخص أو الانتقام منه، والإحسان أو الانتقام هو الغاية، وتلك الانفعالات النفسية هي أعراض تعرض للإنسان بعد أن لم تكن ثم تذهب، والله سبحانه وتعالى ليس كالإنسان {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}[الشورى]، فلا تعرض له الانفعالات النفسية لأنها إنما تعرض للأجسام والله تعالى ليس بجسم فلا يعرض له انفعال غضب أو كراهة أو محبة أو رضا أو إرادة، فلا يتصف ربنا جل وعلا بهذه الصفات النفسية، فأفعاله تعالى كلها ليست مبنية على الانفعالات النفسية كما هو الحال في الإنسان، وإنما تبنى على العلم والحكمة؛ فإذا اقتضت الحكمة والعلم بإرسال رسول وإنزال كتاب في وقت معين فَعَلَه الله، وصح أن يقال: إن الله أراد ذلك ورضيه وأحبه وشاءه، وكانت هذه العبارات - أي: أراد ورضي وأحب وشاء - كلها بمعنى واحد؛ لأن الانفعالات العارضة من الغضب والكراهة والرضا والمحبة لا تجوز على الله، وإنما تصدر أفعال الله وأوامره ونواهيه عن العلم والحكمة؛ فإذا قضت الحكمة والعلم بقبح أمر وفساده كالظلم والزنا و ... كرهه الله ومقته ونهى عنه ولم يرده ولم يشأه. إذا عرفت ذلك فلا يصح أن نقول: إن الله تعالى لا يرضى الكفر ولكنه يحبه ويشاؤه؛ لأن عدم رضوان الله للكفر مبني على كون الكفر مفسدة، والله تعالى حكيم لا يريد إلا ما بني على العلم والحكمة.