سورة الزمر
  ثم عرفنا الله سبحانه وتعالى من هم عباده الذين يستحقون البشرى في الدنيا(١) والآخرة فقال: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ(٢) فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}(٣) وهم الذين تنفع
(١) سؤال: هل هذا يقتضي أنه قد يحصل لهؤلاء ما يطمئنهم بأنهم من أهل الجنة ولو كانوا خلال حياتهم الدنيا أم لا؟
الجواب: الذي قد يحصل هو قوة الرجاء بدخول الجنة دون الطمأنينة؛ لأن المؤمن كما قال أمير المؤمنين # في المؤمن: (لا يمسي ولا يصبح إلا ونفسه عنده ضنون) أي: متهمة، فالمؤمن وإن اجتهد في عبادة الله وطاعته يشعر بالتقصير في طاعة الله وبالتفريط في ذكره، ولا يرضى عن نفسه دائماً، فنعم الله تعالى على الإنسان لا تعد ولا تحصى، فلو خلا المؤمن بنفسه ليفكر في نعم الله عليه لوجد أن هناك نعماً كثيرة قد نسيها ونسي أن يشكر الله عليها، ومهما تذكر فإنه سيجد نعماً منسية لم يخطر بباله أن يشكر الله عليها وهي نعم عظيمة؛ لذلك قلنا إن الذي يمكن حصوله للمؤمن هو قوة الرجاء، ومن صفات المؤمن أن يقترن في نفسه الرجاء بالخوف إلى أن يموت.
(٢) سؤال: من فضلكم ما معنى «ال» في قوله: «القول»؟ وإذا كان مرجعه إلى قول الله ووعظه أفلم يكن كله حسناً، فما وجه قوله: «يتبعون أحسنه»؟
الجواب: القول هو القرآن على أحد تفسيرين وعليه فتكون اللام للعهد، وقد سمى الله تعالى القرآن قولاً في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ...}[المؤمنون: ٦٨]، {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ٥}[المزمل]، {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ٥١}[القصص]، وكله حسن. والذي يظهر - والله أعلم - أن المراد بأحسنه المحكم، واتباع المحكم هو صفة المؤمنين، {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ...}[آل عمران: ٧].
(٣) سؤال: ما هي الفوائد التي نستفيدها من هذه الآية؟
الجواب: يستفاد منها:
١ - أن على العالم المجتهد إذا تعارضت عليه الأمارات أن يأخذ بالأرجح، والأحوط، ويقدم النهي على الأمر، ويقدم الحظر على الإباحة، وإلى آخر ما يذكره الأصوليون في باب المعادلة والترجيح على العموم، فإن في هذه الآية ما يدل على العمل بالمرجحات سواء في باب الرواية أو في النصوص أو في القياس.
٢ - وأن على المقلد النظر فيمن يقلد من العلماء ويعرف ذلك بما يسمع من أقوال أهل الصلاح فيهم.
٣ - أن على المجتهد أن ينتقل من اجتهاده الأول إلى ما ترجح له من بعد وكذلك المقلد.