محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الزمر

صفحة 642 - الجزء 3

  رحمته ونعمه عليهم، فأمرهم أن ينظروا كيف ينزل لهم المطر من السماء، ثم يجتمع في بطن الأرض بقدرته، ثم بعد ذلك يخرجه مرة أخرى من الأرض على شكل ينابيع تتفجر، ثم تسيل على وجه الأرض فينبت به أنواع الزرع والثمر، أفلا يدل كل ذلك على أنه لا بد أن يكون ذلك بقدرة قادر حكيم ومدبر عليم.

  {ثُمَّ يَهِيجُ⁣(⁣١) فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا}⁣(⁣٢) ثم بعد أن ينمو الزرع ويكتمل نموه فإنك تراه يأخذ في النقص واليباس حتى تتفتت أجزاؤه وتطيره الرياح وكأن شيئاً لم يكن.

  {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ٢١} يحثهم الله سبحانه وتعالى على النظر في آياته تلك لما فيها من البعث لهم على معرفة قدرته وسعة علمه وتدبيره، وليعرفوا أيضاً أن من قدر على ذلك فهو قادر على إحيائهم بعد الموت، وبعثهم بعد أن صاروا عظاماً وتراباً؛ غير أنه لن يعتبر بآياته إلا أهل العقول الراجحة.


(١) سؤال: ما السر في نسبة الهيجان إلى الزرع بالرغم من أن كل الأفعال في الآية منسوبة إلى الباري تعالى؟

الجواب: هيجان النبات أي: ذبوله واصفراره هو ناتج عن ترك إمداده بأسباب النمو، وأسباب حياته فإذا قطع الله عنه ذلك ضعف ومات وفسد، فالله تعالى هو الذي أماتها بفعله لأسباب فسادها، ومن الأدب مع الله أن لا تنسب الأفعال التي قد يوهم ظاهرها ما لا ينبغي، ألا ترى إلى ما حكاه الله تعالى من قول إبراهيم: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ٧٩ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ٨٠}⁣[الشعراء]، فلم ينسب المرض إلى الله لأنه في الظاهر شر وإن كان في الحقيقة والواقع خيراً ومصلحة عظيمة للمريض.

(٢) سؤال: قد يفسر أغلب العلماء الهيجان بالاصفرار وهو خلاف ما يظهر من العرف أنه اكتمال النمو فما رأيكم في ذلك؟ وهل هو من باب الحقيقة أو المجاز؟

الجواب: يهيج هو حقيقة فيما يذكرونه من الاصفرار ثم التفتت، أي: أن النبات بعد اكتمال نموه يهيج إلى الضعف واليباس، كأنه ينشط ويتحرك ويخرج من حالته التي هو عليها إلى حالة أخرى هي الضعف والاصفرار ثم التفتت والذهاب.