محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة غافر

صفحة 19 - الجزء 4

  ثم نصحهم هذا الرجل الذي يكتم إيمانه مرة أخرى بأن الأولى لهم أن لا يصروا على تكذيبهم وعنادهم فيصيبهم مثل ما أصاب الأمم المكذبة من قبلهم بسبب تكذيبهم وتمردهم على أنبيائهم، فقد عذبهم الله سبحانه وتعالى بسبب ذلك، وهو غير ظالم بتعذيبه لهم فليس إلا جزاءً لهم على ما كذبوا بأنبيائه وأعرضوا عن دعوتهم لهم إلى ما فيه صلاحهم، وتكبروا على الله سبحانه وتعالى، والدأب: هو العادة والطريقة.

  {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ٣٢ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ}⁣(⁣١) ويوم التناد هو يوم هلاكهم وعذابهم⁣(⁣٢)، وذلك أنهم إذا أيقنوا بالهلاك ونزول العذاب عليهم فإنهم سيتنادون فيما بينهم وسيستغيث بعضهم ببعض، ولكن حين لا ينفعهم ذلك ولا يستطيع أحد منهم أن يدفع عن أحد؛ وأخبرهم أنه إذا حل بهم العذاب ونزل بساحتهم فإنهم سيولون هاربين ولكن حين


= قوله: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ٣١

الجواب: «مثل يوم الأحزاب مثل» مثل الأولى مفعول به لأخاف، ومثل الثانية: بدل من مثل الأولى، وقدم المسند إليه ليفيد قصر الخبر «يريد ظلماً للعباد» على المبتدأ «الله». ومعنى الآية هذه مثل معنى قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ٧٦}⁣[الزخرف]، أي أن الله تعالى لم يظلم الأمم المكذبة بالرسل حين عذبهم ولكن كانوا هم الذين ظلموا أنفسهم بفعلهم الأسباب الموجبة للعذاب.

(١) سؤال: من فضلكم ما إعراب {يَوْمَ تُوَلُّونَ}؟ وما الوجه في فصل جملة: {مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} عما قبلها؟

الجواب: «يوم» بدل من «يوم التناد». {مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} جملة حالية في محل نصب من ضمير «تولون» لهذا فصلت.

(٢) سؤال: وهل يصح أيضاً أن يحمل يوم التناد على يوم القيامة لقوله: {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ ...} إلخ [ق: ٤١]، ولقوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ...} إلخ [الأعراف: ٥٠]، أم لا؟

الجواب: الأولى حملها على نزول العذاب عليهم في الدنيا بقرينة: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ...}، فإن المجرمين لا يهربون إذا رأوا عذاب يوم القيامة، وتفسيره بيوم القيامة صحيح أيضاً لما ذكرتم.