محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة غافر

صفحة 21 - الجزء 4

  مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ٣٥} وصنيعهم هذا ووقوفهم في وجه دعوة أنبيائهم ومنازعتهم في آيات الله سبحانه وتعالى من أكبر الكبائر، وأعظم المعاصي التي تستوجب غضب الله تعالى وسخطه، وأخبرهم أن هذا هو دأب المتكبرين على الله تعالى في كل زمان فقلوبهم قاسية كالحجارة فلا تأتيهم آية إلا وتراهم يعرضون عنها من دون نظر أو تفكر أو تروٍّ فيها، فقد عطلوا عقولهم عن كل ما يدعوهم أو يبعثهم على الإيمان بالله تعالى والنظر في آياته، فقلوبهم كالمطبوع⁣(⁣١) عليها التي يستحيل نفاذ أي شيء إليها.

  {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ٣٦ أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا}⁣(⁣٢) خاف فرعون من أهل مصر أن يصدقوا موسى ويدخلوا في دينه، فدبر هذه المكيدة فأخبرهم أنه سيبني برجاً مرتفعاً ليتمكن


(١) سؤال: من أي أنواع المجاز يكون هذا التعبير؟

الجواب: يكون من نوع الاستعارة، وقد قدمنا في آية البقرة - {خَتَمَ اللَّهُ ...}⁣[البقرة: ٧] - ما يفيد في الجواب عن هذا السؤال.

(٢) سؤال: فضلاً ما إعراب {أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ}؟ وما الوجه في نصب الفعل «فاطلع»؟ وهل يجوز رفعه هنا؟ وهل يعود الضمير في «لأظنه» إلى موسى أم إلى الباري تبارك وتعالى؟

الجواب: «أسباب السموات» بدل أو عطف بيان من «الأسباب». ونصب «فأطلع» لإجراء الترجي مجرى التمني في هذا الباب، ويجوز أن يكون منصوباً في جواب الأمر «ابن لي صرحاً». ويجوز أن يوجه نصبه بأنه معطوف على خبر «لعل» بتوهم دخول «أن» في خبرها، والعطف على التوهم كثير وإن كان غير مقيس. وضمير «لأظنه» يعود لموسى أي لأظنه كاذباً في دعوى وجود الله تعالى وأنه مرسل من عنده.

سؤال: هل لنا أن نأخذ من هذه الآية أن اعتقاد كون الله في السماء عقيدة فرعونية؟ ومن أي ناحية؟

الجواب: الظاهر أن فرعون كان كافراً بالله غير مؤمن بوجوده لذلك قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ٢٤}⁣[النازعات]، وقال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ٢٣}⁣[الشعراء]، وقوله: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٣٨}⁣[القصص]، أي: فلا رسالة ولا رب، إلا أن أمره ببناء الصرح لعله يطلع ... يدل على أنه يعتقد أنه إذا كان حقاً وجود الإله الذي يدعيه موسى فإنه يكون في السماء.