سورة غافر
  بآية من عند الله سبحانه وتعالى تدل على صدقه فإنهم سوف يؤمنون، متجاهلين لتلك الآيات التي جاءهم بها من قبل، غير معتدين بها، مما يدل على أن ذلك لم يكن إلا مراوغة منهم واستهزاءً بالنبي ÷ وبدينه.
  وأما النبي ÷ فلم تكن رغبته في أن يعطيه الله آية إلا لشدة حرصه على إيمانهم وشفقته عليهم من عذاب الله سبحانه وتعالى.
  {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ٧٨} فإذا حان موعد تعذيبهم، وحلول عذاب الله تعالى بهم فعندها سيهلكهم الله تعالى جميعاً ويستأصلهم، وأما المؤمنون فسينجيهم ويحفظهم.
  {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(١) ٧٩ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ} ثم أخبر الله تعالى أنه وحده المنعم عليهم بأن خلق لهم الأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم والماعز وسخرها لهم ليركبوا على ظهورها ويأكلوا من لحومها، وأيضاً جعل لهم فيها منافع أخرى كثيرة غير ذلك كالصوف واللبن والزينة والجمال وحمل الأمتعة والسفر والتنقل عليها من بلد إلى آخر.
  {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ٨٠} وكذلك السفن التي سخرها الله سبحانه وتعالى لعباده لحملهم والسير بهم فوق الماء، وحمل بضائعهم من بلد إلى بلد آخر.
  يُذكِّرُ الله سبحانه وتعالى هنا عباده بنعمه العظيمة عليهم لعلهم يرجعون إليه، ويتركون ما هم فيه من الضلال والشرك.
(١) سؤال: ما السر في عدم عطفه على الفعل «تركبوا» المنصوب بعد لام التعليل؟ وما السر أيضاً في العطف بالتعليل على الخبر في قوله: «ولتبلغوا»؟
الجواب: قد أجاب صاحب الكشاف عن هذا السؤال بما ملخصه: أن في الركوب والسفر عليها لحاجة ما هو واجب وما هو مندوب كسفر الجهاد والحج وطلب الرزق الحلال ونحو ذلك، فدخلت لام التعليل لأنها أغراض دينية، أما الأكل والمنافع الأخرى فمن جنس المباح فلم تدخل لام التعليل عليها لأن المباح من حيث هو مباح ليس غرضاً دينياً، هذا معنى كلام الكشاف.