محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الجاثية

صفحة 151 - الجزء 4

  آياته العظيمة الدالة عليه فأمرهم أن ينظروا في البحر وما جعل فيه من المنافع لهم، وكيف هيأه وسخره لحمل السفن التي تحملهم وتحمل بضائعهم وأمتعتهم، والتنقل بهم في تجاراتهم والسعي وراء معايشهم وأرزاقهم - يذكرهم الله سبحانه وتعالى بذلك ليتوجهوا إليه بالإيمان والإذعان والشكر.

  {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ⁣(⁣١) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ١٣}⁣(⁣٢) وكذلك من نعمه العظيمة الدالة عليه تفضيلهم على جميع خلقه حيث سخر جميع مخلوقاته في منافعهم وجعلها كلها مهيأة في مصالحهم، وأي نعمة أكبر من هذه النعمة فينبغي أن يؤدوا حق شكرها بطاعته وفعل ما يرضيه، واجتناب ما يغضبه ويوجب سخطه.

  وأخبر أيضاً أن في كل شيء من ذلك آية ناطقة ودالة عليه وعلى ربوبيته وعظمته وقدرته لمن نظر وتفكر فيها.

  {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ١٤}⁣(⁣٣) ثم أمر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ أن يحث المؤمنين على الصبر


(١) سؤال: فضلاً ما فائدة القيد بقوله: «منه»؟

الجواب: الفائدة من ذلك هو التنبيه على أن جميع ما في السموات والأرض هو منه تعالى وحده وأنه هو الذي أوجده وسخره للناس فلعلهم يتنبهون ويتركون عبادة غير الله ويتوجهون إلى عبادته وحده.

(٢) سؤال: هل يمكننا أن نقول: إن هذه الآية أقوى دلالة من آية البقرة: {الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}⁣[البقرة: ٢٩]، على القاعدة التي تقول: إن الأصل في الأشياء الإباحة أم لا؟

الجواب: لم يظهر لي فرق بين الآيتين من حيث الدلالة على القاعدة المذكورة «فخلق لكم» و «سخر لكم» سواء في الدلالة على جواز الانتفاع بما خلقه الله أو بما سخره الله.

(٣) سؤال: كيف نستوعب أن جزاء الكفار على ما كسبوه علة لصفح المؤمنين عنهم كما هو ظاهر الآية؟

الجواب: المراد بقوله: «ليجزي قوماً» المؤمنون أي: ليجزيهم جزاء عفوهم ومغفرتهم وصبرهم، وجزاؤهم هو بإثابتهم ورفع درجاتهم وبما يرون من عدل الله والإنصاف لهم ممن ظلمهم.