سورة الجاثية
  إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا(١) وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ٣٢}(٢) يذكر الله تعالى يوم القيامة لأهل النار الأعمال التي أوجبت لهم عذاب جهنم فذكر تعالى أنهم كانوا يكذبون بآيات الله استكباراً، وكانوا قوماً مجرمين، وكانوا يكذبون بما وعد الله من الساعة والبعث والجزاء.
  {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ٣٣} فعندها ستنكشف لهم أعمالهم السيئة تلك التي كانوا يقترفونها في الدنيا وسيقعون في سعير جهنم الذي كذبوا به. ومعنى «وحاق بهم»: أحاط بهم العذاب الذي استهزأوا بوقوعه.
(١) سؤال: ما الوجه في عدم عطف «الساعة» على اسم «إن»: «وعد الله»؟ وما هو الوجه في فصل جملة «إن نظن ..» عن سابقتها؟ ووصلها بما بعدها رغم أنها اسمية والسابقة فعلية؟
الجواب: الذي يظهر لي - والله أعلم - أن النبي ÷ كان يقول للمشركين: لا ريب في الساعة من غير تأكيد بدليل: {إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ}[آل عمران: ٢٥]، {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ}[النساء: ٨٧]، {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ}[الإسراء: ٩٩]، {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا}[الحج: ٧]، {وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ}[الشورى: ٧]، {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ}[الجاثية: ٢٦].
ويتلو عليهم: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} بتأكيده بـ «إن» بدليل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}[فاطر: ٥]، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}[غافر: ٥٥]، {هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}[لقمان: ٣٣]، {وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}[الأحقاف: ١٧]، فحكى الله تعالى ذلك كما ورد في القرآن، فهذا هو الوجه فيما سألتم عنه.
وفصلت جملة: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا} عن سابقتها لأنها كالتأكيد لما قبلها؛ لأن الجملتين يدلان على معنى واحد. {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ٣٢} الواو اعتراضية والجملة معترضة لتأكيد الكلام السابق.
(٢) سؤال: يقال: إذا كانوا يظنون وقوع القيامة وما فيها فقد شرعوا في الطريق فلم يبق إلا حصول اليقين، فكيف يذكر ذلك في سبب استحقاقهم للعذاب؟
يقال في الجواب: المراد بالظن هنا الشك أو الوهم بدليل قوله: {إِلَّا ظَنًّا} أي: إلا ظناً قليلاً أو حقيراً لا يركن إليه ولا يعتمد عليه، ولا يعتمد إلا على الظن القوي أو اليقين.