سورة الأحقاف
  {وَأُبَلِّغُكُمْ(١) مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ٢٣} وأنه ليس مكلفاً إلا بتبليغهم رسالة ربهم إليهم وتحذيرهم وإنذارهم من عذاب الله تعالى وسخطه أن يحل بهم إن هم رفضوا وعاندوا وتمردوا. ومعنى «ولكني أراكم قوماً تجهلون»: لا تعلمون أن الرسل إنما بعثوا مبشرين ومنذرين لا يملكون إنزال العذاب ولا أن يقترحوا على الله.
  {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ٢٤ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}(٢) ثم إن الله سبحانه وتعالى أنزل عليهم عذابه وسخطه،
(١) سؤال: علام عطفت هذه الجملة؟ وهل في عطفها على ذلك مناسبة؟
الجواب: عندما قالوا لهود #: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ٢٢} اقتضى الحال أن يجيبهم بأمرين اثنين:
١ - أن الله وحده يختص بعلم الوقت الذي حذرهم من نزول العذاب العظيم عليهم إن لم يؤمنوا ويرجعوا عن كفرهم وتمردهم.
٢ - أن مهمته المكلف بها من عند الله أن يبلغهم ما أرسله الله تعالى به إليهم؛ فحصلت المناسبة بين المتعاطفين من حيث أن هوداً مكلف بقول هذين الأمرين، وهذا على قول المعربين والمفسرين بعطف الجملة الثانية على الأولى، ويمكن أن تكون الواو للحال ولعل ذلك أحسن للسلامة من تكلف الجامع بين الجملتين والمصحح للعطف.
(٢) سؤال: ما الذي يفيده إبدال «ريح» من الاسم الموصول من نكتة بلاغية؟ وما الوجه في استخدام أداة المذكر المنفرد فيما يعود على المساكن في قوله: {لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}؟
الجواب: النكتة هي تعظيم العذاب والتهويل عليهم به أولاً بإيهام الاسم الموصول، وثانياً بإبدال ريح في صورة نكرة مجهولة غير معروف كنهها، وفي ذلك من مضاعفة التهويل والتعظيم ما لا يخفى، ثم المبالغة بتجريد عذاب آخر عظيم غير الريح قادم عليهم فيها، ثم عقب ذلك بشدة تدميرها على كل ما مرت عليه ... إلخ. وذُكِّر «لا يرى» لأن التأنيث مجازي، ولوجود الفاصل وهو «إلا» ولأن الفاعل في الأصل مذكر أي: لا يرى الرائي إلا مساكنهم.