محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة محمد

صفحة 191 - الجزء 4

  فإذا انتهت المعركة وافترق الفريقان فقد جعل لهم الخيار في الأسرى بين المنّ عليهم بالإطلاق من غير عوض منهم، أو أخذ المال منهم فداءً لأنفسهم من الأسر؛ لأنه قد حصل المقصود من ظهور هيبتهم، وإلحاق الذلة بعدوهم.

  {ذَلِكَ⁣(⁣١) وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} يخبر الله سبحانه وتعالى النبي ÷ وأصحابه أنه قادر أن ينتصر منهم، وأنه لو شاء أن يهلكهم ويكفيهم شرهم فإن ذلك عليه يسير، ولكن حكمته اقتضت أن يبتلي عباده المؤمنين ويزيد في تكليفهم؛ ليعرضهم على أفضل النعيم وأجزل العطاء مقابل صبرهم ومصابرتهم في لقاء عدوهم.

  {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ٤}⁣(⁣٢) والذين قتلوا في سبيله


(١) سؤال: فضلاً ما إعراب قوله: «ذلك» مفصلاً؟

الجواب: «ذلك» خبر مبتدأ محذوف أي: الأمر ذلك الذي ذكر من ضرب الرقاب والإيجاف في القتل والأسر والمن والفداء.

(٢) سؤال: هل هذا على إطلاقه في عدم إحباط صالحات الشهيد في سبيل الله؟ ام أنه مقيد باجتناب الكبائر الأخرى المحبطة كالغلول من الغنيمة والخيانة في الأمانات ونحوها؟

الجواب: الوعد هو للمؤمنين المتقين، لا حظ فيه لكافر ولا لفاسق مرتكب لكبيرة غير تائب منها، ولا لمنافق؛ لورود النصوص القطعية بتعذيبهم في النار، فالكافر لا خلاف فيه، والفاسق بنحو قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ}⁣[السجدة: ٢٠]، وأما مرتكب الكبيرة فبدليل آية الربا: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٢٧٥}⁣[البقرة]، وآية قتل المؤمن: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ٩٣}⁣[النساء]، هاتين الآيتين. وقد بين الله تعالى من هم أهل مغفرته في قوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ٨٢}⁣[طه].

وبعد، فالمقاتل في سبيل الله أو المجاهد في سبيل الله هو الذي يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا أي: لتكون شرائع الله وأحكامه ودينه هو القائم المسيطر {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ...}⁣[الحج: ٤١]، فإذا كان المقاتل مرتكباً لمنكر غير =