سورة محمد
  أَعْمَالَكُمْ ٣٥} يحث الله تعالى نبيه ÷ وأصحابه بأن لا يظهروا شيئاً من الذلة والهوان أمام المشركين، وأن لا يتضعضعوا في أنفسهم أو تضعف عزائمهم عن مواجهتهم وجهادهم، أو يطلبوا منهم الصلح في شيء من أمورهم؛ لأن في ذلك إظهار الذلة، وقد أراد الله تعالى أن يكونوا فوقهم، وأن يكونوا أعزة أقوياء، وأن يثقوا بنصر الله تعالى فهو معهم بتأييده ونصره، وأخبرهم أيضاً بأنه سيثيبهم على ذلك بأجزل الثواب وأحسنه. ومعنى «ولن يتركم أعمالكم»: ينقصكم من أجورها.
  {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} فلا تغتروا بزينة الحياة الدنيا وشهواتها، ولا تؤثروها على دينكم؛ وقد شبهها الله سبحانه وتعالى بلعبة الصبيان التي سرعان ما يملون منها ثم يتركونها.
  {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ(١) أَمْوَالَكُمْ ٣٦ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ٣٧} وإن تخلصوا في إيمانكم لله تعالى وتتقوا عصيانَه وفعل ما يوجب سخطه وغضبه فإنه سيوفيكم ثواب أعمالكم ولن ينقصكم شيئاً من أجوركم؛ وأيضاً فهو تعالى لم يسألكم إنفاق جميع(٢) أموالكم في سبيل نصر دينه، ولم يطلب منكم إلا إنفاق شيء يسير منها، ولو سألكم إنفاق جميع أموالكم لبخلتم بها ولرفضتم إخراجها وإنفاقها. ومعنى «فيحفكم»: يبالغ في السؤال.
(١) سؤال: إذا كان هذا الفعل «ولا يسألكم» معطوفاً على «يؤتكم» كما هو الظاهر فكيف جعل عدم السؤال للأموال جزاء على الإيمان والتقوى؟ أم أن لها إعراباً آخر يبتني المعنى عليه؟
الجواب: الفعل معطوف على «يؤتكم» والوجه في حسن ذلك وصحته أن من أتعب نفسه في العمل مع قوم دهراً طويلاً حتى بلغوا بسعيه أملهم ونالوا مطلوبهم فإنه يتوقع منه طلب المكافأة والأجرة؛ لذلك حسن هنا أن يقع قوله: «لا يسألكم» جواباً للشرط ومعطوفاً على الجواب.
(٢) سؤال: من أين فهمنا أن المراد جميعها وأما بعضها فقد طلبها سبحانه وتعالى؟
الجواب: فهم ذلك من الآية التي بعدها: «ها أنتم هؤلاء ...».