سورة الفتح
  مكة فعصوه وقعدوا، بالإضافة إلى أنهم أهل كيد للنبي ÷ فلو خرجوا معه لأفسدوا بين المؤمنين وأرجفوا وخذلوا ولحاولوا إفساد الغزوة.
  {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ(١) أَوْ يُسْلِمُونَ} وأمره سبحانه أن يخبر هؤلاء المخلفين بأنه سوف يدعوهم بعد مدة من الزمان إلى قتال قوم أولي بأس وقوة وشدة، وأهل خبرة وكفاءة بفنون القتال، وقد أراد بهم أهل ثقيف والطائف، ثم إن النبي ÷ دعاهم فعلاً بعد فتح مكة للخروج إلى حنين(٢) لقتال أولئك القوم.
(١) سؤال: هل الوجه في فصلها كونها جواباً لسؤال مقدر مما قبلها أم ماذا؟
الجواب: الوجه في فصلها كونها صفة لقوم.
(٢) سؤال: قد يقال: لِمَ لم يختبرهم بالخروج إلى مكة؟ وما الحامل لفارس البيان الزمخشري أن يحمله على دعائهم إلى حروب الردة؟
الجواب: قد يكون السبب أن فتح مكة قد كان أمراً محققاً لسبق الوعد به من الله فكان النبي ÷ والمؤمنون واثقين بالفتح لمكة، وكان قد اشتهر ذلك بين جميع المسلمين؛ لأن النبي ÷ أخبر المسلمين بفتح مكة في غزوة الحديبية فلم يتحقق لهم وعد الله فيها، وفي غزوة الفتح كانوا متحققين للفتح لا يشكون في ذلك ثقة بوعد الله.
والحامل للزمخشري - في ظني - هو تلفيق دليل على خلافة أبي بكر؛ لأنه إذا فسر {قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ} بأهل الردة، فأهل الردة إنما كانوا بعد موت الرسول ÷، وأبو بكر هو الذي دعا المسلمين إلى قتالهم، والداعي لا يكون إلا الرسول ÷ أو من يقوم مقامه؛ فيكون حينئذ أبو بكر هو الخليفة بهذا الدليل القرآني، هكذا خيل لصاحب الكشاف، وهو خيال كاذب؛ إذ لو كانت دليلاً أو على الأقل شبهة لاستدل بها أبو بكر وعمر يوم السقيفة على الأنصار، بل استدل أبو بكر يومئذ بالقرابة من الرسول فقال: «نحن بيضة رسول الله التي تفقأت عنه» ثم استدل بعد ذلك أهل السنة بالإجماع وبالشورى، ولم يستدلوا بالآية التي حاول الزمخشري أن ينحت منها دليلاً على خلافة أبي بكر.