سورة الفتح
  دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ٢٧} بعد خروج النبي ÷ من المدينة قاصداً مكة لأداء العمرة عام الحديبية بشر المؤمنين عند مبايعتهم له بالبيعة المسماة بيعة الرضوان بأنه قد أراه الله سبحانه وتعالى في المنام بأنهم سيدخلون مكة معتمرين.
  وبعد بيعتهم هذه تم الصلح بين النبي ÷ والمشركين على عدم دخول مكة تلك السنة فرجعوا إلى المدينة لينتظروا إلى العام القادم حسبما اتفق النبي ÷ مع المشركين، فدخل من عدم تحقق تلك الرؤيا شيء في قلوب بعض المسلمين حتى سألوه عن وعده هذا لهم بدخول مكة أين هو؟ فأجاب عليهم النبي ÷ بأنه لم يعدهم في نفس ذلك العام، وأنه لا زال على وعده ولا بد أن يتحقق، فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى نبيه ÷ أن يخبر المسلمين أن لا يرتابوا ولا يدخل في قلوبهم شيء من الشك أو الريبة في مصداقية ما وعدهم به، وأنهم لا بد أن يدخلوها غير أن حكمة الله سبحانه وتعالى اقتضت أن يتأخروا عن ذلك العام لمصلحة قد علمها لهم، وفعلاً فقد فتح الله تعالى على أيديهم في ذلك العام خيبر(١)، وأصابوا منها خيراً كثيراً
= ويشكل علينا الفاء في قوله: «فعلم» فظاهرها وقوع العلم بمصلحة فتح خيبر بعد الرؤيا فكيف؟ وأيضاً هل يلزم منه وقوع النسخ قبل التمكن من فعل المنسوخ أم كيف؟
الجواب: «محلقين ومقصرين» حال مقدرة أي: مقدرين الحلق والتقصير كالحال في قوله تعالى: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ٧٣}[الزمر]، فخالدين حال مقدرة أي: مقدرين الخلود.
لم يحدد الله تعالى ولا نبيه ÷ أن دخولهم المسجد الحرام يكون في عام الحديبية، وقد استنكر بعض المسلمين على النبي ÷ يوم الحديبية فقال ÷ ما معناه: «هل وعدتكم بدخوله في عامي هذا؟ ...» وقد كان المسلمون استعجلوا حصول الوعد بدخولهم المسجد الحرام في سفرتهم تلك غزوة الحديبية ولم يحبوا تأخيره، فجاءت هذه الآية تؤكد لهم الوعد بدخولهم المسجد الحرام، فعلم الله تعالى أن المصلحة هي فتح خيبر قبل حصول الوعد بفتح مكة. والفاء لترتيب الخبر؛ لأن الله تعالى عالم في الأزل، فلم يحصل نسخ، وليس ذلك مما يصح نسخه؛ لأنه خبر من الله، وأخباره لا تنسخ، وإنما تنسخ الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين.
(١) سؤال: قد يقال: ظاهر كلامكم أن فتح خيبر كان قبل عمرة القضاء فمتى كانت عمرة القضاء؟ وكم بينها وبين فتح خيبر؟ وهل يصح أن يحمل الفتح القريب على صلح الحديبية؛ =