سورة ق
  تعالى إلى الاستنكار على المشركين استبعادهم للحياة والبعث بعد الموت، وسألهم هل أعياه تعالى أو أعجزه أو تعسر خلقهم وإيجادهم أول مرة؟ ولن يجدوا بداً من الاعتراف لله تعالى بالقدرة على ذلك، فمهما قد قدر على خلقهم من العدم فخلقهم مرة أخرى بعد الموت أيسر وأهون عليه في الظاهر، وأما في الحقيقة فكما قال سبحانه: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ}[لقمان: ٢٨].
  ثم أخبر الله تعالى بأنهم متمردون ومعاندون، وأن طبيعتهم التكذيب والاستهزاء والتمرد، وأنهم لا زالوا في شكهم وتشكيكهم وريبهم في أمر البعث والنشور على الرغم من معرفتهم بآيات قدرة خالقهم.
  {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ١٦} يؤكد الله سبحانه وتعالى هنا على عظيم قدرته وسعة علمه وإحاطته بما ظهر وما بطن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، واستيلاء قدرته على كل شيء فمتى أراد أن يأخذ الإنسان أخذه وهو تعالى أقرب إليه من نفسه، وهذا أيضاً رد من الله تعالى على المشركين في إنكارهم للبعث والحياة مرة أخرى بأنه قد خلق الإنسان وأوجده من العدم فهو قادر على خلقه وإيجاده مرة أخرى، وأخبرهم بأنه عالم بما يدور من الخواطر في أنفسهم، ومحص لجميع الوساوس والخواطر التي قد مرت على الإنسان في حياته لا يخفى عليه من ذلك شيء، وأنهم في قبضته وتحت قدرته وسيطرته، وأنه متى أراد أن يأخذهم فلن يعجزوه فهم أقرب إليه من أنفسهم، وعبر عن قربهم منه بحبل الوريد العرق الموجود في العنق كناية عن شدة قربهم إليه وتمكنه منهم.
  {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ(١) ١٧ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ
(١) سؤال: ما معنى «إذ» في الآية هذه؟ وما هو العامل فيها؟ وما محل جملة: «عن اليمين وعن الشمال قعيد»؟
=