سورة الرحمن
  تُكَذِّبَانِ ٤٠} ثم يذكِّر الله سبحانه وتعالى عباده من الجن والإنس بيوم القيامة عندما تنشق السماء وتتهاوى أجرامها وكواكبها حتى ينقلب لونها إلى الوردي بعد زرقتها، ومعنى «كالدهان»: كالزيت الذي يغلي، فكيف يكون موقفهم حينها؟
  ففي ذلك اليوم سوف يختم الله تعالى على أفواههم جميعاً فلا يتكلمون بكلمة واحدة بل ينتظرون حكم الله تعالى فيهم، {فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ١٠٨}[طه]، وقد خيم عليهم السكون جميعاً فلا تسمع إلا وقع أقدامهم فقط، ولا يتكلم حينها أحد إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً. ومعنى عدم سؤالهم عن ذنوبهم: هو قطع آمالهم بالسلامة وقبول العذر.
  {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ٤١ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٤٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ٤٣ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ
= الفاعل المتأخر في اللفظ، والفاعل مقدم في الرتبة، فكأنه لذلك عاد إلى متقدم.
سؤال: إذا قلنا بأن عدم السؤال عن الذنوب هنا هو في موقف من مواقف القيامة ويجري السؤال في موقف آخر فما هو الدليل على هذا مع أن الله تعالى لم يشر إليه أي إشارة؟ وهل يتناسب ذلك مع حكمته سبحانه وتعالى؟
الجواب: الأمر كذلك فيسألون في موقف ولا يسألون في موقف آخر، ودليل ذلك ما ورد في عدة آيات عن السؤال للمجرمين يوم القيامة من ذلك قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ٢٤}[الصافات]، {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ٦}[الأعراف]، {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ٨ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا ...}[الملك]، {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى}[الزمر: ٧١]، وآيات غير هذه كثيرة تدل على وقوع السؤال للمجرمين في يوم القيامة.
وهناك آيات تدل على أنهم لا يسألون كما ورد هنا في سورة الرحمن، وكما في قوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ ...}[يس: ٦٥]، فيدل ما ذكرنا أنه يقع في يوم القيامة الأمران، ولا يمكن وقوعهما في موقف واحد فدل ذلك على أنهم يسألون في موقف ولا يسألون في موقف آخر.