محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الحديد

صفحة 369 - الجزء 4

  تعالى وعن أداء ما افترض عليهم، فهؤلاء لا يحبهم الله وليس لهم نصيب من رحمة الله وثوابه، فينبغي إذا أنعم الله تعالى على عبده بنعمة أن لا يفرح فرح بطر وعجب، وأن يشكر الله تعالى على ما أعطاه، وأن يضع ما أعطاه في مواضعه وحيث أمره ربه، وأن يتواضع ويخشع ويستكين.

  وأما فرح السرور مع أداء شكر نعم الله تعالى عليه فذلك محمود⁣(⁣١) عند الله تعالى، ثم وصف الله تعالى المختالين بأنهم الذين يبخلون⁣(⁣٢) بإخراج ما يجب عليهم في أموالهم ويمنعون غيرهم عن إنفاقه فيما يجب، وأخبر أن من كان كذلك فإنه تعالى غني عنه غير محتاج إليه ولا إلى ماله، فالملك ملكه وخزائن السماوات والأرض بيده، وإذا أنفقوا أموالهم فنفعها عائد إليهم.

  وقوله {الْحَمِيدُ}: يعني أنه غير محتاج إلى شكرهم ولا إلى حمدهم فهو محمود من دونهم، وله الفضل على أهل السماوات والأرض غير محتاج إلى شيء مما عندهم.


(١) سؤال: فضلاً لو أوردتم لنا شيئاً من الأدلة على هذا لكان مناسباً؟

الجواب: قال تعالى: {الم ١ غُلِبَتِ الرُّومُ ٢ ...} إلى قوله: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ٤ بِنَصْرِ اللَّهِ}⁣[الروم]، وقال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ٥٨}⁣[يونس]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ}⁣[الرعد: ٣٦].

وبعد، فالفرح والسرور طبيعة بشرية تحصل إذا حصل السبب، وهكذا الأسى والحسرة يحصل إذا حصل سببه، ولا يمكن المرء أن يتخلص من هذه الطبيعة البشرية، كذلك لا يحسن المدح أو الذم عليها؛ لأنه ليس في وسع المكلف أن يتخلص من طبيعته، والمدح والذم لا يحسن إلا على الأفعال الاختيارية المصاحبة للفرح والحزن، فالمؤمن إن حدثت له نعمة فرح وشكر الله وحمده، وإن أصابته ضراء حزن وصبر ورضي واسترجع، {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ١٥٧}⁣[البقرة]، والغافل إن حدث له نعمة فرح واستر وامتلأت نفسه عجباً وفخراً وتطاولاً غير معترف لله بنعمة ولا مقر له بمنة، وإن أصابته مصيبة حزن وسخط وكفر، ليس له أمل في الله ولا فيما عند الله.

(٢) سؤال: ما المناسبة في اجتماع الخيلاء والبخل مع أن ظاهر الخيلاء يناسب العطاء مباهاة أو تطاولاً؟

الجواب: الخيلاء صفة للمشي، وليس من صفات البذل والعطاء، والخيلاء هي إظهار التكبر في المشي؛ لذلك فتكون المناسبة ظاهرة بين المختال والفخور فكلاهما من فروع الكبر.