محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الحشر

صفحة 393 - الجزء 4

  تعالى وإرادته، أما القطع فلما في ذلك من الإغاظة لليهود وإخزائهم، وأما الترك فلما سيحصل في بقائها من الفائدة والنفع فيما بعد للمسلمين.

  {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا⁣(⁣١) أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٦} لا تطمعوا أيها المسلمون في غنائم بني النضير فهي لرسوله ولا نصيب لكم ولا حظ في شيء منها؛ لأنكم لم تغيروا عليها بخيلكم وإبلكم ورجالكم⁣(⁣٢) حتى تستحقوا شيئاً


= وشرع مشروع في الإسلام كما ذلك معلوم.

ويمكن أيضاً تعدد الحق في نحو جزاء قتل الصيد {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}⁣[المائدة: ٩٥]، فلم يحدد الله فيه مقدار الجزاء بل وكله إلى حكمين فإذا حكم حكَمان في قتل ثعلب مثلاً بمقدار من الجزاء ثم حدث لقوم آخرين فحكم فيه حكمان منهم بمقدار من الجزاء مخالف لحكم صدر من حكمين فكل ذلك حق، وهكذا في أروش الجنايات التي لم يرد فيها دليل، وفي قيم المتلفات، أما ما ورد فيه أمارات فلا يتعدد الحق تبعاً لتعدد المجتهدين.

(١) سؤال: هل الخبر هنا مقدر وهذا إنما هو الدليل عليه أم كيف؟ ومم أخذت لفظة «أوجفتم»؟ وما معناها بالتدقيق؟ وهل «من» في قوله: «من خيل» زائدة صلة وتأكيد أم لا؟

الجواب: «فما أوجفتم ..» هو الخبر من قيام السبب مقام المسبب، والأصل: فهو لرسول الله ÷ لأنكم لم توجفوا عليه، ويصح أن يكون: «فما أوجفتم» جواب للشرط وتكون «ما» في: «وما أفاء الله ..» شرطية فتكون الجملة في محل جزم. «أوجفتم» مأخوذة من الوجيف يقال: وجف الفرس والبعير وجيفاً أي: اسرع وعدا، و «من» صلة وتأكيد في قوله: «من خيل».

(٢) سؤال: قد يقال: بأن المسلمين جيشوا عليهم وحاصروهم وهم مدججون بأسلحتهم وعتادهم؛ فكيف؟

الجواب: كانت بنو النضير على ميلين من المدينة سار المسلمون إليها على أقدامهم، وقد كان بنو النضير تحصنوا في حصونهم وأغلقوا أبوابها، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فصالحوا النبي ÷ من غير قتال ولا طول حصار فأجراهما الله تعالى مجرى القرى التي أجلي أهلها منها من غير حرب ولا حصار، وقد قيل إن هذه الآية نزلت في غنائم القرى التي أجلي أهلها عنها قبل أن يصل إليها المسلمون كفدك و ... ، وعليه فيرتفع الإشكال.