سورة التغابن
  ظهورهم، ولا يعتمدوا على أحد سواه، وذلك أن المؤمنين في أول الإسلام كانوا في ضعف وقلة، والمشركون محيطون بهم من كل جانب يضطهدونهم ويستذلونهم فامتلأت قلوبهم منهم رعباً وخوفاً مترقبين شرهم؛ فأمرهم الله سبحانه وتعالى أن يتوكلوا عليه، ويسندوا ظهورهم إليه، وهو سيكفيهم شرهم وأذاهم.
  {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ(١) وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ١٤} في أول الإسلام كان الرجل يسلم، وأولاده وزوجته على الكفر(٢)، فكان يلقى منهم التوبيخ والاستنكار، ويكثرون عليه من الإلحاح على ترك الإسلام والعودة إليهم، ولا يملِّون من التودد إليه بشتى الوسائل رجاء أن يردوه إليهم؛ فأمرهم الله تعالى بالحذر منهم، ونهاهم أن يستمعوا إليهم؛ لأنهم من أهل العداوة لله تعالى ولرسوله، وقد صاروا لوالدهم أعداءً مهما وهم يريدون أن يفتنوه عن دينه، وأرشدهم تعالى إلى أن لا يؤاخذوهم بما يصدر منهم من الأذى والمضايقات، وأن يغفروا لهم ذلك فإن ذلك من أسباب مغفرة الله ورحمته(٣).
(١) سؤال: هل هذه الفاء هي التي يقال لها (تفريعية)؛ لأن عداوتهم علة للتحذير منهم أم كيف؟
الجواب: الفاء في «فاحذروهم» عاطفة للمسبب على السبب.
(٢) سؤال: هل يقصر على هذا السبب؟ أم يشمل كل سبب - من الأزواج والأولاد ولو كانوا مسلمين - يؤدي إلى افتتان الوالد عن بعض أمور دينه، وضحوا ذلك؟
الجواب: لا يقصر على هذا بل يشمل كل سبب من الأزواج والأولاد يؤدي إلى فتنة الزوج والأب عن بعض أمور دينه.
(٣) سؤال: ما الوجه في أن العفو والمغفرة والصفح لا تعود إلى عداوتهم لآبائهم وفتنهم عن الدين مع أن السياق في ذلك؟
الجواب: المراد ما ذكرتم فلم نرد إلا عدم المؤاخذة للأولاد والأزواج.