سورة التحريم
  {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ(١) عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ(٢) وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ٩} ثم أمر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ أن يستمر في جهاد الكفار وتطهير الأرض منهم، ومقارعة المنافقين الذين أسلموا وصاروا في أوساط المسلمين يكيدون الإسلام والمسلمين ويُخَذِّلونهم عن نصرة النبي ÷ ويرجفون بينهم ويفرقون بين صفوفهم وينفرونهم عن النبي ÷، وقد لاقى النبي ÷ منهم أعظم مما لاقاه من المشركين، وأما جهادهم فلم يحمل النبي ÷ عليهم سيفاً، ولم يجيش عليهم جيشاً، وإنما جاهدهم بالحجة والموعظة،
(١) سؤال: ما المراد بالإغلاظ عليهم؟ وهل يعارض أمثال قوله تعالى: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ}[المائدة: ١٣]، فكيف نجمع بينهما؟
الجواب: الإغلاظ عليهم هو القسوة والشدة في معاملته ÷ لهم فالكفار بالسيف والمنافقون بالقول إذ لم يؤثر أن النبي ÷ قاتل المنافقين إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى. أما الأمر للنبي ÷ بالعفو والصفح عن الكافرين بنحو قوله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} فقد كان ذلك قبل الهجرة يوم كان النبي ÷ في قلة من المؤمنين المقهورين بجبروت قريش، فلما هاجر النبي ÷ وكثر أتباعه وأنصاره أذن الله تعالى له في سل السيف على الكفار المحاربين؛ لذلك فيمكننا أن نقول: إن نحو قوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ ...} قد نسخ الأوامر التي أمر بها النبي ÷ في مكة يوم كان تحت جبروت قريش، ويمكننا أن نقول: إنه ÷ أمر بالعفو والصفح في حال ضعفه وقلة أصحابه، وأمر بالقتال في حال قوته وكثرة أنصاره، مع غير نسخ، فيكون الأمر بالعفو والصفح والصبر معمولاً به في الإسلام في حالة الضعف والقلة.
(٢) سؤال: يقال: كيف ساغ عطف الجملة الاسمية «ومأواهم جهنم» على الجملة الإنشائية قبلها؟
الجواب: «ومأواهم جهنم» ليست معطوفة على «جاهد» و «اغلظ»، ويمكن في إعراب الواو وجهان:
١ - أن تكون الواو عاطفة ويكون المعطوف عليه مقدر أي: واغلظ عليهم غلظة يتعجلونها في الدنيا أو يجزونها في الدنيا.
٢ - أن تكون الواو للاستئناف لا للعطف.