محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة القلم

صفحة 490 - الجزء 4

  الله سبحانه وتعالى المشركين يوم بدر وذلك أنهم جمعوا صناديدهم وكبارهم لاستنقاذ تجارتهم في طريقها من الشام إلى مكة، وكانوا قد خافوا عليها من محمد ÷ فنهض منهم للخروج ما يقارب ألف رجل، وكان قد بلغهم أن النبي ÷ خرج لاعتراض القافلة التي تحمل تجارتهم، وفي حسبانهم أن الفرصة قد حانت لهم للقضاء على النبي ÷ ومن معه من المسلمين، ولكن الدائرة كانت عليهم فانكسرت شوكتهم، وقتلهم المسلمون شر قتلة، وقتلوا صناديدهم وكبارهم، وألحقوا بهم شر هزيمة.

  وقد شبههم الله سبحانه وتعالى بأصحاب الجنة الذين رزقهم الله سبحانه وتعالى البساتين الواسعة التي جعل لهم فيها ما لذ وطاب من الفواكه والثمار، وعندما حان وقت قطافها وجني ثمرها تعاهدوا فيما بينهم وأقسموا على أن يبكروا إليها ويقطفوها جميعاً، ولا يبقوا على شيء منها، وأن يحرموا الفقراء والمساكين.

  ومعنى {وَلَا يَسْتَثْنُونَ}⁣(⁣١): لم يخطر ببالهم أن سلطان الله وقدرته فوق قدرتهم وفوق سلطانهم فلم يقولوا: إن شاء الله؛ فأرسل الله سبحانه وتعالى عليها ضربة ثلج ليلاً أتلفتها وأحرقتها، فلما طلع عليهم الصبح اجتمعوا وانطلقوا وهم يتهامسون فيما بينهم؛ لئلا يسمعهم أحد من المساكين أو غيرهم.


= والوجه في تسمية ذلك ابتلاءً هو كون نعم الله تعالى على عباده ابتلاءً واختباراً، {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ١٥}⁣[الفجر]، فابتلى الله تعالى قريشاً بكثرة العدد وقوة الأبدان وكثرة الأموال والأولاد وبسكنى مكة ومجاورة البيت الحرام والمشاعر المحرمة وبالشرف الكبير بين قبائل العرب وأرسل إليهم رسولاً منهم يدعوهم إلى الإيمان والدين الحق وترك الشرك والباطل، فكفروا بنعم الله هذه العظيمة ولم يشكروها بل صمموا وعزموا على حرب الله ورسوله ÷ فخيب الله أملهم كما خيب أمل أصحاب الجنة.

(١) سؤال: فضلاً ما رأيكم في حملها على عدم استثناء حق الفقراء ليوافق القصة وظاهرها؟

الجواب: المناسب هو ما ذكرنا كما يبدو.