سورة القلم
  الذلة والخزي والصغار ظاهرة على وجوههم بعد أن كانوا في الدنيا من أهل التعالي والمقامات الرفيعة وذوي الشرف والرياسة.
  {فَذَرْنِي(١) وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ٤٤ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ٤٥}(٢) هذا تهديد من الله سبحانه وتعالى لأولئك المشركين عندما أعرضوا عن دعوة نبيهم ÷، يعني: فاتركهم يا محمد،
(١) سؤال: ما معنى الفاء هذه؟ وما الوجه في توجيه الفعل إلى ضمير الباري تعالى في قوله: «فذرني»؟ وهل الواو للمعية في قوله: «ومن يكذب» وما بعدها مفعول معه؟ أم ماذا؟ وما موضع جملة «سنستدرجهم»؟ وهل هناك وجه فرق بين ضمير الجمع في «سنستدرجهم» وضمير الواحد في المعطوف عليه «أملي»؟
الجواب: الفاء هي الفصيحة، والوجه في إيقاع الفعل على ضمير الباري تعالى في قوله: «فذرني» هو زيادة التخويف للمكذبين بالانتقام الشديد منهم كأنه قال: لا تطلب يا محمد الانتقام من المكذبين ذرني وإياهم فأنا سأكفيكهم وأنتقم لك منهم، والواو للعطف في قوله: «ومن يكذب» ويصح أن تكون للمعية، ولعل العطف أرجح، وجملة «سنستدرجهم ..» استئناف بياني في جواب سؤال مقدر، ولا فرق في المعنى بين الضميرين فالمراد بهما واحد وهو الواحد القهار إلا أن الأول فيه زيادة تعظيم لله تعالى أكثر من الثاني، والله أعلم.
(٢) سؤال: ما وجه نسبة الاستدراج والكيد لله سبحانه وتعالى في الآية؟ وما معنى متانة الكيد في حق الله تعالى؟
الجواب: نسبة الاستدراج إلى الله تعالى هي نسبة مجازية أي: أن لفظ الاستدراج والكيد هنا استعارة مبنية على التشبيه من حيث أن ما يفعله الله تعالى بالمشركين من إغداق النعم وإمدادهم بالصحة والسلامة وطول الأعمار وكثرة الأموال والأولاد مع كفرهم وفسوقهم عن أمره وتكذيبهم لرسله وإعلانهم الحرب على أهل دينه من حيث أن هذا الصنيع والإحسان يشبه في ظاهره صنيع من يتقرب بالإحسان وصنائع المعروف إلى عدوه ويتودد له بالرفق والملاطفة إلى أن يطمئن عدوه ثم يقتله وهذا معنى: {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ٤٥}، والله تعالى متمكن من المشركين قادر على أخذهم بنقمته وهو أقرب إليهم من حبل الوريد، وليس محتاجاً إلى الاستدراج لهم إلى أن يجد غرة ثم يأخذهم، فلا يحتا ج إلى الاستدراج إلا الضعيف العاجز.