سورة الجن
  يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ٢٦ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ٢٧ لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} وكانوا يستنكرون على النبي ÷ عندما كان يتوعدهم بنزول عذاب الله تعالى بهم، ويستبعدون ذلك أشد الاستبعاد، ويطلبون منه أن يأتيهم به إن كان صادقاً وأن يعجل نزوله بهم، فأمره الله سبحانه وتعالى أن يجيبهم بأنه لا يعلم موعد نزوله بهم، وأن علم ذلك عند الله تعالى. ومعنى «أمداً»: زماناً بعيداً، وأنه من الأمور الغيبية التي استأثر الله تعالى بعلمها وحده لا يخبر أحداً بها إلا(١) من أراد أن يطلعه على شيء منها من نبي أو رسول فإنه
= والفاعل ضمير مستتر، «أن» مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن و «قد أبلغوا ..» جملة في محل رفع خبر أن المخففة، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب بيعلم وفاعل «يسلك» هو الله، وتنكير «قريب» و «أمداً» لإبهام القرب والبعد.
(١) سؤال: هل يعود الاستثناء إلى موعد نزول العذاب بهم أم إلى الغيبيات فهذا مشكل؟ وما هو الدليل على أن المراد شيء منها إن قلنا بذلك؟ وما وجه التعليل بأنه يجعل له رصداً يحفظوه والمعلل إطلاعه على الغيب؟ وما معنى «يسلك» هنا بالنظر إلى المعنى اللغوي؟
الجواب: يعود الاستثناء إلى «أحداً» أي: لا يظهر الله علم الغيب لأحد إلا لمن ارتضى من رسله فإنه يطلعه عليه، وذلك كما أطلع الله تعالى لوطاً # على العلم بموعد نزول العذاب بقوله: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ}[هود: ٨١]، وكما أطلع الله تعالى نبيه صالحاً # على موعد نزول العذاب بقومه: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ}[هود: ٦٥]، وكما أطلع الله تعالى نبينا محمداً ÷ على غلبة الروم لفارس في بضع سنين، وعلى قتل عمار، وأن أبا ذر يموت وحده ويشهد جنازته جماعة من المؤمنين، وكما أخبر بقتل الحسين #، وما لا يحصى من الأخبار بالغيب لرسول الله ÷، وأعظم الغيب الذي أظهره لرسول الله ÷ هو القرآن الكريم. والدليل على أن المراد شيء من الغيب هو أن ما أوحاه الله تعالى إلى رسله ليس إلا بعض الغيب أما الغيب كله فـ {لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ١٠٩}. ووجه التعامل بالرصد هو من أجل حفظ الغيب الذي أوحاه إلى من ارتضى من رسول كي لا تصل إليه الشياطين بدسائسها من زيادة أو نقص أو تخليط أو توهيم =