محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة المدثر

صفحة 550 - الجزء 4

  إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ٢٥} اجتمع زعماء قريش ووجهاؤهم في شأن محمد ÷ كيف يبطلون دعوته، ويخذلون الناس عنه، وكان الوليد هذا كبيرهم وزعيمهم، فقال ناس منهم: سنتحدث للناس بأنه ساحر، فأشار عليهم الوليد بأنهم قد عرفوا السحر وتمتمة السحرة ولن يصدق الناس مثل ذلك فيه، فأشار آخرون منهم بأن يتحدثوا لهم بأنه شاعر، فأجابهم بأنهم قد عرفوا الشعر وأنواعه ولن يصدقوا فيه ذلك، فأشار بقية منهم بأن يقولوا عنه بأنه مجنون، فرد عليهم بأن الجنون معروف، والناس يعرفون المجانين وحديثهم، ولن يصدق بذلك أحد، فطلبوا منه أن يشير عليهم فيه، فأخبر الله سبحانه وتعالى أن الوليد فكر في نفسه وأمعن في التفكير، فلعنه الله على ذلك التفكير، وأخبر سبحانه أنه نظر في الأمر وأمعن في النظر حتى ظهر العبوس والتغير على وجهه عندما عرف أنه لن يجد مدخلاً على محمد ÷ وإبطال دعوته، واستكبر أن يعترف له بالحق والصدق، فأشار عليهم بعد طول التفكير والتقدير بأن أمثل وأحسن ما يمكن أن يقولوا عما جاء به النبي ÷ من القرآن: أنه سحر رواه عن قدماء السحرة وعلمائهم السابقين. ومعنى «وبسر»: اشتد كلوح وجهه وعبوسه.

  وكان قد قال لهم في بداية الأمر عن وصف ما سمعه من كلام محمد ÷: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمورق، وإنه يعلو ولا يعلا عليه، وإنه ليس من قول البشر، وإنه كلام خالق القُوَى والْقُدَرِ، معترفاً لهم بجميع ذلك.

  {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ٢٦ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ٢٧ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ٢٨ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ٢٩}⁣(⁣١) فتوعده الله سبحانه وتعالى بأنه سيحرقه في نار جهنم، وفي الاستفهام عنها معنى


(١) سؤال: مم أخذت لفظة «سقر»؟ وما موضع جملة «لا تبقي ولا تذر»؟ وعلام رفع «لواحة»؟ ومم أخذ هذا اللفظ؟

الجواب: «سقر» اسم من أسماء النار نار جهنم، فهو اسم جامد غير مشتق ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. وجملة «لا تبقي ولا تذر» في محل نصب حال من «سقر» والعامل معنى التعظيم. «لواحة» خبر مبتدأ محذوف أي: هي لواحة، و «لواحة» صفة مبالغة من لاح يلوح بمعنى ظهر أو غَيَّرَ الجِلْدَ.