محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة المرسلات

صفحة 578 - الجزء 4

  عليهم عدم النظر في آثار قدرته ولماذا لا يتفكرون كيف مهد لهم الأرض، وجعلها ضامة للأحياء بسكناهم على ظهرها، ومستودعاً تحفظ موتاهم في بطنها، وكيف خلق لهم عليها تلك الجبال الراسيات الطوال بقدرته، وكيف ينزل لهم الماء العذب الفرات الذي يستسيغونه ويشربونه، ويسقون به أرضهم ودوابهم بقدرته نعمة منه أنعمها عليهم، فلماذا لا يؤدون حق شكرها؟ ولكن الويل كل الويل لمن عرف كل ذلك ثم كذب وأعرض واستكبر.

  {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ٢٩ انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ ٣٠ لَا ظَلِيلٍ⁣(⁣١) وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ٣١} ثم أخبر الله سبحانه وتعالى المشركين بأنه سيأمرهم يوم القيامة بالانطلاق إلى عذاب جهنم التي كانوا ينكرونها ويكذبون بها، فينطلقون إلى ظل⁣(⁣٢) في نار جهنم متشعب إلى ثلاثة أقسام لا يظلل من استظل به


= والمكذبين بسنته في إهلاك المجرمين ... وإلخ، ومثل ذلك ليس بتكرير، وإنما ذلك مثل أن تعدد مآثم شخص فتقول: فعل كذا وكذا أبعده الله، وفعل كذا وكذا أبعده الله و ..، ومثل ذلك لا يستكره؛ إذ المقام يقتضي بعد كل مقطع الوعيد أو الدعاء عليه.

(١) سؤال: علام عطف هذا؟ وكيف ساغ عطف الجملة عليه: «ولا يغني من اللهب»؟

الجواب: «لا ظليل» صفة مخفوضة لظل في قوله: «إلى ظل ذي ثلاث شعب» وجملة «ولا يغني من اللهب» في محل جر صفة أخرى لـ «ظل»، ويصح العطف لأن الجملة في المعنى مفرد.

(٢) سؤال: هل المراد أنهم يجدون ظلاً لا كالذي يعرفونه في الدنيا أم ماذا؟ وما فائدة وصفه بالتشعب إلى الثلاثة الأقسام خصوصاً إذا كان المراد به دخاناً من جهنم كما في قوله: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ٤٣}⁣[الواقعة]؟

الجواب: نعم، يرون ظلاً بأعينهم وربما أنهم يدفعون إليه دفعاً، وربما أنهم يتوهمون أنهم سيجدون في ظله بعض الراحة من سموم جهنم، ووصفه بالتشعب إلى ثلاث شعب، هو أن المعروف من الظل في الدنيا من الشمس إذا كان له ثلاث فتحات تدخل منها الشمس فإنه لا يتم له فيه الاستظلال وإن الشمس تلفحه أينما دار، وهكذا يكون الظل في نار جهنم فإنهم أينما وقفوا تحته لفحهم لهب جهنم من إحدى الفرج الثلاث.