محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة البينة

صفحة 663 - الجزء 4

  الكتاب والمشركون يقولون: لا نزال على ما نحن عليه من الدين حتى يأتينا رسول من عند الله تعالى يبين لنا الدين الحق، ويتلو علينا كتباً مسطورة من عند الله تعالى لم تمسها الشياطين ولا أهل الباطل، ولا يمسها إلا الملائكة المطهرون، وقد كتبت فيها شرائع الله تعالى وأحكامه الحقة التي استوضح فيها الحق وبان. ومعنى «منفكين»: لا يزالون مقيمن على كفرهم حتى تأتيهم البينة.

  {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ٤} فتحقق وحصل ما كانوا يعدون بالإيمان معه إلا أنه اختلف أهل الكتاب عند مبعث النبي ÷ الذي جاءهم بالهدى والحق الواضح فمنهم من آمن به، ومنهم من كفر بعدما استوضح الحق، وبان له الصدق.

  {وَمَا⁣(⁣١) أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ


= قَيِّمَةٌ ٣}، والكتب هي جمع كتاب، والقرآن الكريم مشتمل على كتب كثيرة، فقد سمى الله تعالى كثيراً من سور القرآن باسم الكتاب كقوله: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ...}⁣[هود: ١]، فسمى الله تعالى سورة هود «كتاب».

(١) سؤال: ما فائدة الحصر هنا؟ وما الوجه في تعدية «أمروا» باللام في قوله «ليعبدوا» وهو لا يتعدى إلا بالباء غالباً؟ وما الذي يفيدنا إضافة دين إلى القيمة؟ وما إعراب «له الدين حنفاء»؟

الجواب: فائدة الحصر هو التنبيه لأهل الكتاب على أن الله تعالى لم يأمرهم بالتفرق إنما أمرهم بعبادته ... فالقصر قصر إفراد. واللام في «ليعبدوا» هي لام التعليل، أي: وما أمروا بما أمروا به في التوراة إلا ليعبدوا ... ، وترك الجار والمجرور: بما أمورا به في التوراة؛ لوجود القرينة وهي: «أوتوا الكتاب ..» «البينة»، مع أن الغرض المسوق له الكلام هو بيان العلة التي من أجلها آتاهم الله الكتاب. والإضافة في «دين القيمة» حيث أضاف الدين إلى القيمة هو لتعريف الدين الحق لأهل الكتاب الذين تفرقوا وحرفوا وغيروا وبدلوا معتقدين أنهم أهل الدين الحق، وأهل التوراة وأهل الملة القويمة، فرد الله تعالى هنا عليهم وبين الذي أمروا به في الكتاب وقال: إنه دين الملة القيمة أو دين الكتب القيمة لا ما تتوهمون يا أهل الكتاب. «له الدين» له: متعلق بمخلصين، الدين: مفعول به لمخلصين، «حنفاء»: حال ثانية من فاعل «ليعبدوا».