محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة النساء

صفحة 385 - الجزء 1

  {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ١٥٨} توفاه ورفعه⁣(⁣١)، وكان رفعه لحكمة منه تعالى ومصلحة يعلمها فأفعاله صادرة عن الحكمة والمصلحة.

  {وَإِنْ⁣(⁣٢) مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ١٥٩} أخبر تعالى أنه لا بد أن يؤمن بعيسى # كل واحد من أهل الكتاب عند الاحتضار للموت ويصدق بنبوته ورسالته ولكنه لا ينفعه إيمانه عند حضور الموت، وسيشهد عيسى # على اليهود في يوم القيامة عند الحساب


(١) – سؤال: يقال: فما فائدة تطهيره من الذين كفروا بعد الموت كما في آية أخرى؟

الجواب: الظاهر من قوله تعالى في سورة آل عمران: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}⁣[آل عمران: ٥٥] أن الله تعالى توفى عيسى # بالموت، ورفع روحه إلى كرامة الله وثوابه، وطهر الله تعالى جسده من بني إسرائيل فأخفاه عنهم بقدرته لئلا يمتهنوه بالصلب والرفس والبصق وإلقاء النجاسات ونحو ذلك. ويؤيد ما ذكرنا من أن الله تعالى أماته قوله تعالى: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ١١٧}⁣[المائدة].

(٢) – سؤال: ماذا يفيد التعبير بقوله: «وإن من»؟

الجواب: يفيد الاستغراق والعموم لجميع أهل الكتاب.

سؤال: هل يكون إيمانهم عند الاحتضار من باب محاولة النجاة؟ أم أنهم يؤمنون به اضطراراً؟

الجواب: سيؤمنون به اضطراراً؛ لتزيد حسرتهم، وليروا عظيم جرمهم وسوء عاقبتهم: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ٤٧}⁣[الزمر]، فإيمانهم به هو من صدمهم بنوع من العقوبة؛ لذلك جاء الخبر مؤكداً.

سؤال: ما رأيكم في القول بأنهم يؤمنون بعيسى قبل موته #، وذلك بعد نزوله آخر الزمان؟

الجواب: الذي يظهر –والله أعلم - أن هذا القول مرجوح، لما صح وثبت قطعاً أنه لا نبي بعد نبينا محمد ÷ في حديث المنزلة: «علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»، ولا خلاف في صحة هذا الحديث، وهناك رواية عن النبي ÷ تقول: «إنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي قبله».