سورة المائدة
  على الباطل، وأنهم ليسوا على دين عيسى، وأنه لم يدَّعِ الربوبية وإنما هو عبد، وأنه إنما يحيي الموتى بإذن الله وإرادته وأمره، فيبهتون هنالك ويعلمون أنهم كانوا على الباطل.
  {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} هذا دعاء من عيسى # لأجل أن يتخذوا هذا اليوم عيداً يشكرون الله فيه على هذه النعمة التي فضلهم بها، وأنزلت عليهم فيه المائدة، وهذا العيد لأول النصارى وآخرهم إلى يوم القيامة يجتمعون في هذا اليوم ويشكرون الله تعالى على نعمه.
  {وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ ١١٤} وآية تطمئن بها قلوبنا أننا على الحق.
  {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ}(١) أي: فمن كفر بعد أن يعطيهم الله هذه النعمة ويريهم هذه الآية فالله سيعذبه عذاباً منتهياً في الغلظة والشدة وذلك قوله: {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ١١٥}.
  {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وذلك الخطاب في يوم القيامة والنصارى يسمعون هذا الخطاب كما ذكرنا، وقد كانت النصارى حرفت الإنجيل عما أنزل الله(٢)، ولم يبق فيه شيء مما أنزل الله على عيسى.
(١) سؤال: هل قوله: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا} وعد للمستقبل أم إنجاز في الحال؟ وهل صح ما يقال من استهزاء بعضهم بالمائدة، وأنهم كفروا بذلك فصاروا قردة وخنازير؟
الجواب: ظاهر الآية أن الله تعالى أنزل المائدة وأعطاهم سؤلهم بعدما سألوه في عهد عيسى #، وقد روي أنهم شكوا فسألوا آية أخرى فرفع الله المائدة ومسخهم قردة وخنازير، والله أعلم بصحة تلك الروايات، ولكن الوعيد الذي ورد هنا في قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ١١٥} يدل على أن الله تعالى عالم بأن بعض الذين سألوا المائدة سيكفرون أو يخرجون عن طاعة الله؛ لذلك تقدم الله تعالى إليهم بالوعيد الشديد الذي بلغ من الشدة غايتها؛ لئلا يكون لهم عذر في الكفر بآيات الله وغمط نعمته.
(٢) سؤال: هل المراد أن الله سيقيم عليهم الحجة بهذه المناقشة لأن في أناجيلهم المحرفة أنه أمرهم أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله؟
الجواب: نسبوا إلى عيسى في أناجيلهم أنه ادعى ذلك وأمر به، ورووه عنه، ونصوص الأناجيل اليوم على هذا.